ومع هذا التحفظ فقد وقع منهم الاجتهاد كثيرًا، ولقد أحمى ابن حزم -رحمه الله- (?) في كتابه "جوامع السير" فقهاء الصحابة فبلغ عددهم اثنين وستين ومائة ما بين رجل وامرأة، المكثرون منهم سبعة هم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأم المؤمنين عائشة بنت الصديق، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم-.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهدون في النوازل، ويقيسون بعض الأحكام على بعض ويعتبرون النظير بنظيره" (?).
ولعل من أخطر النوازل التي واجهها الصحابة في أول خلافة الصديق -رضي الله عنه-، ردة عدد من القبائل عن الإسلام، وامتناع عدد آخر عن أداء الزكاة وإن بقوا على الإسلام، ووقع الخلاف بين الصحابة؛ حيث ذهب كثير منهم إلى ترك قتالهم، ثم ما لبثوا أن شرح الله صدورهم لاجتهاد الصديق ومن معه في هذه النازلة.
عن ميمون بن مهران -رحمه الله- (?) قال: كان أبو بكر -رضي الله عنه- إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الأمر سنة قضى به، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين، وقال: أتاني كذا وكذا، فهل علمتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه قضاء فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ على نبينا - صلى الله عليه وسلم - فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله