فقه النوازل (صفحة 86)

والمفاسد في المذكرة أن المصلحة أو المفسدة إذا عين أصلها وبينت

مرتبتها أمكن البحث فيها بتفصيل واضح يتضح معه الحق فتمكن المناقشة

نفسها هل هي مصلحة أو مفسدة أو ليست بمصلحة ولا مفسدة، وبيان

مرتبتها ونوعها يمكن الترجيح بينهما وبين ما عارضها من المفاسد أو

المصالح، فلو شخصت المفسدة الناشئة عن اختلاف أحكام القضاة في

المسألة الواحدة بين هل هي من جنس الضروريات أو الحاجيات وإن قيل

أنها من جنس الضروريات بين النوع الذي ترجع إليه من الضروريات هل

هو ديني أو نفسي أو عقلي أو نسبي أو مالي أو عرضي، وإن قيل إنها من

جنس الحاجيات بينت الحاجة الداعية إليها بياناً واضحاً لكان ذلك معيناً

على إعطاء البحث حقه من النظر والإمعان، لأن دفع مفسدة ذلك الخلاف

بالتدوين قد يقال: إنه مستلزم مفسدة أعظم من مفسدة اختلاف القضاة في

المسألة الواحدة ولو كانت من أوكد الضروريات، ولا خلاف بين العلماء

في تخفيف الشر بارتكاب أخف الضررين فالمخالف قد يقول:

إن هذا التدوين الذي يريدون به درء مفسدة اختلاف القضاة يستلزم

مفسدة أعظم من ذلك، لأنه خطوة إيجابية إلى الانتقال عن النظام الشرعي

إلى النظام الوضعي وإيضاح ذلك أن النظام الوضعي تتركب حقيقته من

شيئين: أحدها: صورته التي هي شكله وهيئته في ترتيب مواده والحرص

على تقريب معانيها وضبطها بالأرقام، والثانية: حقيقة روحه التي هي

مشابكة لذلك الهيكل والصورة كمشابكة الروح للبدن، وتلك الروح هي

حكم الطاغوت فصار التدوين مشتملاً على أحدهما والواحد نصف الاثنين

ومما يظن ظناً قوياً ويخشى خشية شديدة أن وضع شكل وصورة النظام

الوضعي بالتدوين وضع حجر أساس لنفتح روح هذا الهيكل الأصلية فيه،

ولا شك أن الظروف الراهنة ومخايل الظروف المستقبلة تؤكد أن تيارات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015