كانت علومهم في مسائلهم وأدلتهم في غاية الفساد والاضطراب والتناقض،
وقد كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سُئلوا عن مسألة يقولون: قال الله كذا،
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذا، أو فعل [رسول] الله كذا، ولا يعدلون عن ذلك
ما وجدوا إليه سبيلاً قط، فمن تأمل أجوبتهم وجدها شفاء لما في الصدور،
فلما طال العهد وبَعُد الناس من نور النبوة صار هذا عيباً عند المتأخرين
أن يذكروا في أصول دينهم وفروعه قال الله، وقال رسول الله.
أما أصول دينهم فصرحوا في كتبهم أن قول الله ورسوله لا يفيدُ اليقينَ
في مسائل أصول الدين، وإنما يحتج بكلام الله ورسوله فيها الحشوية
والمجسِّمة والمشبهة، وأما فروعهم فقنعوا بتقليد من اختصر لهم بعض
المختصرات التي لا يذكر فيها نص عن الله ولا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن
الإمام الذي زعموا أنهم قلدوه بينهم، بل عمدتهم فيما يفتون ويقضون به
وينقلون به الحقوق ويبيحون به الفروج والدماء والأموال على قول ذلك
المصنف، وأجلهم عند نفسه وزعيمُهم عند بني جنسه مَنْ يستحضر لفظ
الكتاب، ويقول: هكذا قال، وهذا لفظه، فالحلال ما أحله ذلك الكتاب،
والحرام ما حرَّمه، والواجب ما أوجبه، والباطل ما أبطله، والصحيح ما
صححه. هذا، وأنَّى لنا بهؤلاء في مثل هذه الأزمان، فقد دفعنا إلى أمر تضج
منه الحقوق إلى الله ضجيجاً، وتعج منه الفروج والأموال والدماء إلى ربها
عجيجاً، تبدل فيه (?) الأحكام، ويقلب فيه الحلال بالحرام، ويجعل
المعروف فيه أعلى مراتب المنكرات، والذي لم يشرعه الله ورسوله من
أفضل القربات، الحقُّ فيه غريبٌ، وأغرب منه من يعرفه، وأغرب منهما
من يدعو إليه وينصح به نفسه والناس، قد فلق بهم فالق الإصباح صُبْحَه