لقد جاء أبو سفيان ابتداء ليواجه الموقف بعد قدومه من الشام، وهو مهزوم نفسيا، وهو يعرف يقينا أن أمر محمد سيظهر.
وكانت المرحلة الثانية: يوم فشل في مهمته وعجز أن ينفذ من ثغرة واحدة في الصف الداخلي المسلم يحول دون المواجهة، وعرف أن خصمه محمدا وحزبه على قلب رجل واحد: كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فأعيا وأوهى قرنه الوعل وأنهم قلعة حصينة يرتد عنها كل من أرادها بسوء.
وكانت المرحلة الثالثة: حين صار رهينة بيد المسلمين، وأصبح رهن إشارة النبي (ص) بقتله، وهم به عمر والمسلمون واستغاث بالعباس، فأجار العباس، ثم أتى في صبيحة اليوم الثاني ليمثل بين يدي رسول الله عليه الصلاة والسلام .. وكانت المفاجأة الصاعقة له بدل التوبيخ له والإذلال له وتهديده بالقتل أن يدعى إلى الإسلام.
لقد غدا خلقا آخر بهذا الموقف، فهو ليس أمام قائد خصم يريد إبادته وإبادة قومه، إنما هو أمام سيد أهل الأرض يدعوه إلى الإسلام، لقد اهتز كيانه كله في الدور الثالثة لتربيته، فلم يتمالك أن يقول: بأبي أنت وأمي يا محمد، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك. إنه يفدي أعدى العدو بأبيه وأمه، ويثني عليه الخير كله: ما أحلمك وأكرمك وأوصلك.
وكانت المرحلة الرابعة: أن يحبس حتى يرى جنود الله، كلها