الباب مفسرًا للأول، والمعنى أن الجماعة - وأقلها ثلاثة - لا يهم بهم الشيطان، ويبعد عنهم، وإنما سمي الواحد شيطانًا؛ لأن الشيطان في أصل اللغة: هو البعيد من الخير، من قولهم: نوى شطون: أي بائنة بعيدة، فالمسافر وحده بعيد عن خير الرفيق وعونه، والأنس به، وتمريضه، ودفع وسوسة النفس بحديثه، ولا يؤمن على المسافر وحده أن يضطر إلى المشي بالليل فتتعرضه الشياطين المردة: هازلين، ومتلاعبين، ومفزعين" (?). وقال الخطابي رحمه الله: "المنفرد وحده في السفر إن مات لم يكن بحضرته من يقوم بغسله ودفنه وتجهيزه، ولا عنده من يوصي إليه في ماله، ولا يحمل تركته إلى أهله ويورد خبره عليهم، ولا معه في سفره من يعينه على الحمولة، فإذا كانوا ثلاثة تعاونوا، وتناوبوا المهنة والحراسة، وصلوا الجماعة وأحرزوا الحظ منها" (?). وعن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: خطبنا عمر بالجابية فقال: "أيها الناس إني قمت فيكم كما قام رسول الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فينا فقال: «أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، ويشهد الشاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة؛ فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن» (?). فينبغي للداعية أن يحض الناس على أن لا يسافر الإنسان وحده، بل ثلاثة فأكثر إلا لضرورة، ويحثهم على العمل بآداب السفر؛ ليقتدوا برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك (?).