الحديبية الذي كان بين النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمشركين لو نرى قتالا لقاتلنا، فجاء عمر فقال: ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بلى "، قال: ففيم أعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا؛ فقال: " يا ابن الخطاب إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبدا "، فرجع عمر متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال: يا أبا بكر، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: " يا ابن الخطاب إنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولن يضيعه الله أبدا، فنزلت سورة الفتح ".» وسياق سهل بن حنيف رضي الله عنه لذلك دعوة إلى الصلح بين علي ومعاوية رضي الله عنه؛ ليحصل من الفوائد ما حصل بصلح الحديبية. وقد حصل أمور عظيمة وفتح عظيم بصلح الحديبية؛ قال الإمام النووي رحمه الله في صلح الحديبية: " قال العلماء: المصلحة المترتبة على إتمام هذا الصلح ما ظهر من ثمراته الباهرة، وفوائده المتظاهرة التي كانت عاقبتها فتح مكة، وإسلام أهلها ودخول الناس في دين الله أفواجا، وذلك أنهم قبل الصلح لم يكونوا يختلطون بالمسلمين، ولا تتظاهر عندهم أمور النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما هي، ولا يحلون بمن يعلمهم بها مفصلة، فلما حصل صلح الحديبية اختلطوا بالمسلمين، وجاءوا إلى المدينة، وذهب المسلمون إلى مكة، وحلوا بأهلهم وأصدقائهم، وغيرهم ممن يستنصحونه، وسمعوا منهم أحوال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مفصلة بجزئياتها، ومعجزاته الظاهرة، وأعلام نبوته المتظاهرة، وحسن سيرته، وجميل طريقته، وعاينوا بأنفسهم كثيرا من ذلك، فما زالت نفوسهم إلى الإيمان حتى بادر خلق منهم إلى الإسلام قبل فتح مكة، فأسلموا بين صلح الحديبية وفتح مكة، وازداد الآخرون ميلا إلى الإسلام، فلما كان يوم الفتح أسلموا كلهم؛ لما كان قد تمهد لهم من الميل، وكانت العرب من غير قريش في البوادي ينتظرون بإسلامهم إسلام قريش، فلما أسلمت قريش أسلمت العرب في البوادي " (?).
قال الله عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 - 3] (?) قال الإمام القرطبي