، وقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] (?) فينبغي الانقياد والاستسلام لأمر الله عز وجل وأمر رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
عاشرا: من سنن الله عز وجل: الابتلاء والامتحان: ظهر الابتلاء في هذا الحديث من وجهين: الوجه الأول: ما حصل بين الصحابة رضي الله عنهم في صفين؛ ولهذا قال سهل بن حنيف رضي الله عنه: " وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر، ما نسد منها خُصما إلا انفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له "، والمعنى أنهم رضي الله عنهم وقعوا في الفتنة العظيمة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما؛ فإنهم كل ما سدوا ثغرة انفتح عليهم ثغرة أخرى، قال القرطبي رحمه الله في كلام سهل رضي الله عنه: " ويعني هذا الكلام أن كل قتال قاتل فيه ما رفع سيفه فيه إلا عن بصيرة، لعاقبة أمره، فسهل عليه ما يلقاه من مشقات الحروب، غير تلك الأمور التي كانوا فيها، فكانوا كلما لاح لهم فيها مصلحة وعاقبة حسنة ظهر لهم نقيضها " (?).
والوجه الثاني: ما حصل للصحابة رضي الله عنهم من الابتلاء في صلح الحديبية، فإنه أصابهم بلاء عظيم؛ لما في ظاهر الصلح من الهضم لحق المسلمين، ولكن في الحقيقة أن ذلك كان فتحا ونصرا، ولكن هذا الفتح لم يأت إلا بعد الابتلاء والاختبار حتى قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله: «ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " بلى»، وفي آخر كلام عمر رضي الله عنه: «ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا؟»، قال القرطبي رحمه الله على كلام عمر رضي الله عنه: " يعني بالدنية: الحالة الخسيسة، ويعني به الصلح على ما شرطوا، ولم يكن ذلك من عمر شكا ولا معارضة، بل كان استكشافا لما خفي عنه، وحثا على قتال أهل الكفر، وإذلالهم، وحرصا على ظهور المسلمين