قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8].
يقول سيِّد قُطب - رحمه الله - فى تفسير هذه الآية: «وراعون لأماناتهم وعهدهم أفرادًا، وراعون لأماناتهم وعهدهم جماعة، والأمانات كثيرة فى عنق الفرد، وفى عنق الجماعة، والجماعة المُسْلِمة مسئولة عن أماناتها العامة، عن عهدها مع الله تعالى، وما يترتب على هذا العهد من تبعات، والنص يحمل التعبير ويدعه يشمل كل أمانة، وكل عهد, ويصف المؤمنين بأنهم لأماناتهم وعهدهم راعون، فهى صفة دائمة لهم فى كل حين، وما تستقيم حياة الجماعة إلا أن تُؤدَّى فيها الأمانات وتُرعَى فيها العهود» (?).
فعبد الله بن ياسين - رحمه الله - اتصف بالأمانة فعظم شأنه فى نظر أتباعه وفى تاريخ المُسْلِمين؛ لأنَّه كان أمينًا فى نفسه ومع إخوته، وحمل أمانة الإسلام، وبذل كل ما فى وسعه، وتحرَّك بمنهج الله فى دنيا النَّاس لتحكيم شرع الله، فأكسبته هذه الصفة فى نفوس النَّاس قبولاً.
5 - الحياء: والصفة الخامسة الفطرية التى جُبل عليها عبد الله بن ياسين, الحياء الذى هو شعبة من شُعَبِ الإيمان، ويظهر ذلك جليًا عندما طلب شيخه منه الذهاب مع يحيى ابن إبراهيم للدعوة فلم يعارض ولم يناقش بل استجاب لشيخه, كما نلاحظ ذلك فى سيرته مع يحيى بن إبراهيم الذى تملك قلبَه حبُّ عبد الله بن ياسين وأسر فؤاده بإحسانه وكرمه وحرصه على دعوة النَّاس لدين الله، فعندما عرض الأمير يحيى على عبد الله بن ياسين رِبَاطًا فى ضفاف نهر السنغال أجابه عبد الله بن ياسين الذى كان عازمًا على ترك جدالة ولمتونة؛ لما أصابه من عنتهم وظلمهم وجورهم فى بداية دعوته لهم. وعرَّف العلماء الحياء فقالوا: «أصل الاستحياء الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفًا من مواقعة القبيح» (?).
وقال الجنيد: «إن الحياء يتولد من مشاهدة النعم ورؤية التقصير» (?).
فالحياء من المعانى والصِّفَات الرائعة التى يتَّصِفُ بها النبلاء والشرفاء من النَّاس, وكان الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أشدَّ النَّاس حياءً, وقد وصفه الصَّحَابِى الجليل أبو سعيد