القُوَّة البدنيَّةَ لاقت حظًا وافرًا، فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هو أقوى الأقوياء، وكان يُشجِّع أصحابه - رضي الله عنهم - على اكتساب هذه الصفة، بل رُبَّما كان يباريهم، ويصارعهم، ويسابقهم، وكما تحدثنا السيرة عن ذلك، يروى مرة أنه تسابق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع عائشة رضى الله عنها فسبقها مرَّة، ثم سبقته مرَّة، وكذلك تحدثنا السيرة عن مصارعته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأحد أصحابه فصرعه.
ومرَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على صبيان يرمون بالسهام؛ فأخذ يرمى معهم ويشجعهم ويذكى فيهم روح البطولة والشَّجَاعَة والقُوَّة، ويقول: «ارموا فإن أباكم إسماعيل كان راميًا» (?).
وهذه الآية والأحاديث الفعلية كانت منهج عبد الله بن ياسين وأصحابه، ولذلك تظهر لنا صلابة وقُوَّة أتباعه فى ميادين القتال.
ومفهوم القرآنِ للقُوَّة عام يشمل كل أنوع القُوَّة، قال السعدى - رحمه الله - فى تفسير قوله تعالى: {مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} أي: «كل ما تقدرون عليه، من القُوَّة العقلية، والبدنية، وأنواع الأسلحة, ونحو ذلك».
فدخل فى ذلك أنواع الصناعات التى تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات، من المدافع والرشاشات والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والقِلاع، والخنادق، وآلات الدفاع، والرأى والسياسة، التى بها يتقدم المُسْلِمون، ويندفع عنهم بها شرُّ أعدائهم، وتعلم الرمى والشَّجَاعَة، والتدبير» (?).
لقد جمع عبد الله بن ياسين - رحمه الله- من القُوَّة الفكرية أنواعًا متعددة؛ من قُوَّة الإدراك، وقُوَّة الصبر، وقُوَّة العلم، وقُوَّة التلقي، وغيرها من القوى.
ومن هنا يتضح لنا حاجة العاملين فى الحركة الإسلامية إلى هاتين القُوَّتَيْن، البدنية والعقلية وجميع أنواع القوى الفكرية لتوظيفها فى الدعوة إلى الله (?).
ولقد أشار القرآن الكريم إلى قيمة القُوَّة العقلية الفكرية وإلى القُوَّة البدنية فى بنيان أمة مجاهدة تحفز للنهوض بعبء النضال، فى سبيل عقيدتها وحريتها، وكان من صفات قائدها أن الله أعطاه ومنَّ عليه بهاتين القُوَّتَيْن البدنية والعقلية، قال تعالى: {إنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247]. فبسطة العلم إشارة إلى القُوَّة العقلية،