رضيت بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمُحَمَّد نبيًا ورسولاً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

إن أبيات القاضى عياض فى غربته أضفت على وأنا أترجم حياته مسحة مِن الحزن, ولوعة مِن الأسى, وإحساسًا بالحنين إلى أهلى ووطني، وأحبتى وإخواني، فقال القاضى - رحمه الله - وهو يحاور حمامة مرَّت به:

أقمرية الأدواح بالله طارحِى ... أخا شجى بالنوح أو بغناء

فقد أرقتنى من هديلك رنة ... تهيج من شوقى ومن بُرحائي

لعلك مثلى يا حمامُ فإنني ... غريب «بداي» قد بُليتَ بداءِ

فكم من فلاةٍ بين «داي» و «سبتة» ... وخَرق بعيد الخافقين قواءِ

تصفقُ فيه للرياح خوافقٌ ... كما ضعْضعتنى زفزةُ الصعداء

يذكرنى سحُّ المياه بأرضها ... دموعًا أريقتْ يوم بنتُ ورائي

ويعجبنى فى سهلها وحزنها ... خَمائل أشجارِ ترف لِرائي

لعلَّ الذى كان التفرُّق حكمهُ ... سيجمع منَّا الشمل بعد تنائي (?)

جـ - عياض والقضاء:

رجع القاضى عياض إلى سبتة بعد أن أتمَّ ما أراد من علوم الأَنْدَلُس, وكان دخوله لمدينته الحبيبة إلى نفسه عام (508هـ)، وفرح أهل سبتة بابنهم البار، وتصدَّر للتعليم والتدريس بعد أن امتحنه علماء مدينة سبتة فى الفقه المالكي، وأصبح من أهل مجلس الشورى، وكان حينئذ فى الثانية والثلاثين من عمره أو يزيد قليلاً، وكانت تلك المرحلة سببًا فى إعداده ليتسنم سدة القضاة الشريفة الرفيعة فى سبتة (?).

ولما كان عياض فى التاسعة والثلاثين من عمره تولى القضاء، وكان ذلك عام 515هـ، وظلَّ متربعًا على كرسى القضاء فى بلده سبتة ستة عشر عامًا، فسار فيها أحسن سيرة, وكان محمود الطريقة مشكور الحالة، أقام جميع الحدود على ضروبها واختلاف أنواعها، وبنى الزيادة الغربية فى جامع سبتة التى كمل بها جماله وترك فى بلده آثارًا محمودة (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015