قال: «لم نعثر فى تاريخ الخلافة الراشدة كلِّه على مثال واحد نرى فيه أهل الحِلِّ والعَقْد قد تفرقت آرائهم حتى آل الأمر إلى عدد الأصوات» (?)، وهذا تفريق جميل بين المجتمع الإسلامى فى حاضرنا وبين المجتمع الإسلامى القائم على أسس دولة القرآن التى تربَّى المسلم على خشية الله فلا ينحرف عن الجادَّة.

وربما كان يوسف بن تاشفين وأمراء المرابطين مُحقِّين فى أخذهم بالرأى القائل بأن الشورى معلمة للأمير وليست ملزمة، ولهم أدلة كثيرة للتدليل على هذا المبدأ.

إلا أننى أرى الفائدة الكبرى والاستفادة العظمى فى زمننا هذا فى الأخذ بالرأى القائل بأنها ملزمة، والقائلون بهذا القول لهم أدلتهم منها:

إن الشورى ملزمة للحاكم طالما أنَّها مؤيدة بالشرع والعقل، فيقول ابن تيمية: «وإذا استشارهم فإن بيَّن له بعضهم ما يجب اتباعه من كتاب أو سنة رسوله أو إجماع

المُسْلِمِين، فعليه اتباع ذلك، ولا طاعة لأحد فى خلاف ذلك، وإن كان عظيمًا فى

الدِّين والدنيا، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] (?).

ولو كانت الشورى غير ملزمة، لكان بإمكان النبى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يجنب الجماعة المسلمة تلك التجربة المريرة التى تعرَّضت لها فى غزوة أحد - لو أنه قضى برأيه فى خطة المعركة، مستندًا إلى رؤياه. . ولم يستشر أصحابه، أو لو أنه رجع عن الرأى عندما سنحت له فرصة الرجوع. . ولكنَّه - وهو يقدر النتائج كلها - أنفذ الشورى. . ثم يجئ الأمر الإلهى له بالشورى - بعد المعركة- تثبيتًا للمبدأ فى مواجهة نتائجه المريرة» (?)، وبهذه الأدلة التى ذكرتها نسترشد بهذا المبدأ فى مسيرتنا الحركية والدعوية والتنظيمية التى تسعى لإعادة الإسلام كنظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبًا.

وديوان الرسائل والمكاتبات عند المرابطين:

كان المرابطون يهتمون بديوان الإنشاء، ولذلك حرصوا على أن يتولاه رجال من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015