المبحث الخامس
علاقة المرابطين مع ملوك الطوائف
مرَّت علاقة المرابطين مع ملوك الطوائف بمراحل متعددة، وهي: المسالمة،
التحالف، القتال.
أولاً: مرحلة المسالمة:
لمَّا وصلت دولة المرابطين ذروة قوتها وحطت بجيوشها وأساطيلها على سهل البحر المتوسط ارتعد ملوك الطوائف، وأصابهم الخوف وركبهم الهمُّ، وأصبحوا بين قبضتين قويتين: بين النصارى الذين يمكن مداراتهم بالأموال والتنازل عن بعض الحصون, وبين المرابطين الذى عرفوا بجهادهم واستعلائهم على متاع الدنيا، وحبِّهم للشهادة, ورفع المظالم عن العباد، وقد وصلهم ظلم ملوك الأَنْدَلُس، وقد اشتهر جنود المرابطين بصيت عظيم فى تحقيق النصر فى المعارك، وبأس شديد فى القتال مما أدخل الرعب فى قلوب ملوك الطوائف، فعقدوا اجتماعًا للتشاور فى أمر الخطر القادم من الجنوب، واستقرَّ رأيهم أن يكتبوا للأمير يوسف يسألونه الإعراض عنهم, وأنَّهم تحت طاعته، وهذا نص الكتاب:
«أما بعد, فإنَّك إن أعرضت عنا نسبت إلى كرم, ولم تنسب إلى عجز، وإن أجبنا داعيك نسبنا إلى عقل ولم ننسب إلى وهن، وقد اخترنا لأنفسنا أجمل نسبنا فاختر لنفسك أكرم نسبتك، فإنَّك بالمحل الذى لا يجب أن تُسبَق فيه إلى مكرمة، وإن فى استبقائك ذوى البيوت ما شئت من دوام لأمرك وثبوت والسلام» (?).
وأرسلوا مع حامل الكتاب هدايا وتحفًا نفيسة.
وبعد أن تشاور الأمير يوسف مع مستشاريه رأى إن يسالمهم ويرضى بما قدَّموا له من طاعة, وردَّ عليهم بهذا الكتاب جاء فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم من يوسف بن تاشفين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية من سالمكم وسلم عليكم, وحكمه التأييد والنصر فيما حكم عليكم، وإنَّكم مما فى