فإن المسافة إذا بعدت وتخللها المارقون عن ربقة الحق، ولم يبعد أن يقتضى الرأى الشريف صيانة الأوامر الشريفة عن أن تمد إليها أعين الدولة فضلاً عن أيديهم، وأمَّا مَن يستجيز التوقُّف فيها من غير عذر عن التقليد لأمير قد ظهرت شوكته وعرفت سياسته، وتناطقت الألسن بعدله، ولم يعرف فى ذلك القطر من يجرى مجراه، ويسد فى هذا الحال مسده، فهذا اعتقاد فساد فى حضرة الخلافة, حاشاها من أن تُنسَب إلى قصور، أو تقتضى فى نصرة أهل العدل المتمسكين بخدمتها، والمعتصمين بعروتها، والقائمين فى أقطار الأرض بإنفاذ شعائرها وأوامرها المعلومة بقرائن الأحوال، فهذا حكم كل أمير عادل فى أقطار الأرض، وحكم من بغى عليه، والله أعلم (?).
يتضح لى من فتوى الإمام الغزالى أن رأيه فى قتال يوسف بن تاشفين لملوك الطوائف مبنى على كون أولئك الملوك من البُغاة والخارجين عن سلطة الدولة المرابطية التابعة للخلافة الإسلاميَّة.
وبهذا يتضح أن الفقهاء والعلماء رأوا ضرورة ضم الأَنْدَلُس لقيادة المغرب الأقصى بعد أن فرَّط أمراء الأَنْدَلُس فى أمور الشرع ومصالح الرعية, وحالفوا النصارى ضد إخوانهم المُسْلِمِين.
ولا شكَّ فى أن ما فعله الأمير يوسف ضد ملوك الطوائف صحيح من الناحية الشرعية والاستراتيجية العسكرية والمنطلقات السياسية.
بل فى رأيى أن وجود ملوك الطوائف مفسدة عظيمة، والسعى لإزالتهم خطوة نحو توحيد الصفوف، ونجد كُتابًا من الغرب وأذيالاً لهم من أبناء المُسْلِمِين يصفون ما فعله الأمير يوسف ضد ملوك الطوائف بأنَّه خروج عن الإنسانية، ودليل على الهمجية، حسب وجهة نظرهم المغشوشة، وتصوُّرِهم المغلوط، أمَّا بالنسبة للمؤرخ المسلم فإن ما قام به يوسف يعتبر عملاً عظيمًا قدَّمه للأمة، وحفظ به الإسلام فى الأَنْدَلُس من انهيار مُحقَّق، وضبط الأمور بعزم وحزم بعد فوضى وضياع وخنوع واستسلام مارسه ملوك الطوائف دون اهتمام بدين أو شعب أو عقيدة.
لقد تميَّز يوسف بن تاشفين بوفائه التام للعهود، وابتعاده عن الأطماع الدنيوية، وحرصه على إعزاز الدِّين، وإزاحة العوائق التى تحول دون وحدة المُسْلِمِين، ولذلك أقدم