القربات قتالهم إلى أن يعودوا إلى طاعة الأمير العادل المتمسك بطاعة الخلافة العباسية, ويتركوا المخالفة، وجب الكفُّ عنهم، وإذا قاتلوا لم يَجُز أن يُتَتَبَّعَ مدبرهم، ولا أن يُذَفَّف (?)
على جريحهم, بل متى سقطت شوكتهم وانهزموا، وجب الكفُّ عنهم، أعنى عن المُسْلِمِين منهم دون النصارى الذين لا يبقى لهم عهد مع التشاغل بقتال المُسْلِمِين، وأما ما يظفر به من أموالهم فمردود عليهم أو على وريثهم، وما يؤخذ من نسائهم وذراريهم فى القتال مهدرة لا ضمان فيها وحكمهم فى الجملة فى البغى على الأمير المتمسك بطاعة الخلافة، والمستولى على المنابر والبلاد بقوة الشوكة حكم الباغى على نائب الإمام، فإنه وإن تأخَّر عنه صريح التقليد لاعتراض العوائق المانعة من وصول المنشور بالتقليد فهو نائب بحكم قرينة الحال، إذ يجب على الإمام المصر أن يأذن لكل إمام عادل استولى على قطر من أقطار الأرض، فى أن يخطب عليه، وينادى بشعاره ويحمل الخلق على العدل والنصفة، ولا ينبغى أن يظن بالإمام توقف فى الرضا بذلك والإذن فيه.
وإن توقَّف فى كتبه المنشور، فالكتب قد يعوق عن إنشائها وإيصالها المعاذير، وأما الإذن والرضا بعدما ظهر حال الأمير فى العدل والسِّيَاسَة وابتغاء المصلحة للتفويض والتعيين فلا رخصة فى تركه، وقد ظهر حال هذا الأمير بالاستفاضة ظهورًا لا شك فيه، وإن لم يكن عن إيصال الكتاب وإنشائه عائق، وكانت هذه الفتنة لا تنطفئ إلا بأن يصل إليهم صريح الإذن والتقليد بمنشور مقرون بما جرت العادة بمثله فى تقليد الأمراء، فيجب على حضرة الخلافة بذل ذلك.
فإن الإمام الحق عاقلة أهل الإسلام، ولا يحلُّ له أن يترك فى أقطار الأرض فتنة ثائرة إلا ويسعى فى إطفائها بكل ممكن، قال عمر - رضي الله عنه -: «لو تركت جرباء على ضفة الفرات، لم تطل بالهناء، فأنا المسئول عنها يوم القيامة» , قال سليمان بن عبد الملك يومًا وقد أحدق به الناس: «قد كثر الناس» فقال عمر بن عبد العزيز: «خصماؤك يا أمير المؤمنين» , يعنى أنَّك مسئول عن كل واحد منهم إن ضيعت حق الله فيهم أو أقمته، فلا رخصة فى التوقيف عن إطفاء الفتنة فى قرى تحوى عشرة، فكيف فى أقاليم وأقاليم إلا أن يعوق عن ذلك عائق، ويمنع منه مانع، المواقف القدسية الإمامية المستظهرية حرس الله جلالها أبصر بها, ونحن نعلم أن لا نستجيز التوقف عن إطفاء هذه الفتنة إلا لعذر ظاهر وجب على أهل الغرب أن لا يعتقدوا فى حضرة الخلافة إلا ذلك،