أنت ذلك، فقال: أنا خادم الإمام العبَّاسي، فقالوا له: أظهر لنا تقديمه إليك، فقال: أو ليست الخطبة فى جميع بلادى له؟ فقالوا: ذلك احتيال. ومردوا على النفاق، فهل يجب قتالهم؟ وإذا ظفر بهم كيف الحكم فى أموالهم؟ وهل على المسلم حرج فى قتالهم؟ وهل على الإمام العبَّاسى أن يبعث بمنشور يتضمن تقديمه له على جهادهم، فإنهم إنَّما خرجوا عليه بأن الأمير خادمه، وهو يخطب له على أكثر من ألفى منبر، وتضرب السكة باسمه إلى غير ذلك، ومتى وصف نفسه قال: لست مستبدًّا وإنما خادم أمير المؤمنين المستظهر، وهذا أشهر أن يؤكد بالتحلية, وأظهر من أن يجدد بالتزكية.
فللشيخ الإمام الأجل الزاهد والأوحد أبى حامد أتم الأجر، وأعم الشكر فى الإنعام بالمراجعة فى هذا السؤال إن شاء الله تعالى (?).
أولاً: فتوى الإمام الغزالى فى موقف كل من يوسف بن تاشفين وملوك الطوائف والخلافة العباسية:
فأجاب الإمام الغزالى رحمه الله: «لقد سمعت من لسانه وهو الموثوق به الذى يستغنى عن شهادته عن غيره وعن طبقة من ثقاة المغرب الفقهاء وغيرهم، من سيرة هذا الأمير -أكثر الله من الأمراء أمثاله - ما أوجب الدعاء لأمثاله، ولقد أصاب الحق فى إظهار الشعار الإمامى المستظهرى- حرس الله على المستظهرين ظلاله- وهذا هو الواجب على كل ملك استولى على قطر من أقطار المُسْلِمِين فى مشارق الأرض ومغاربها، فعليهم تزيين منابرهم بالدعاء للإمام الحقِّ، وإن لم يكن بلغهم صريح التقليد من الإمام، أو تأخر عنهم ذلك لعائق، وإذا نادى الملك المستولى بشعار الخلافة العباسية، وجب على كل الرعايا والرؤساء الإذعان والانقياد، ولزمهم السمع والطاعة، وعليهم أن يعتقدوا أن طاعته هى طاعة الإمام، ومخالفته هى مخالفة الإمام، وكل من تمرد واستعصى وسل يده عن الطاعة، فحكمه حكم الباغي، وقد قال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ} [الحجرات:9]. والفيئة إلى أمر الله، الرجوع إلى السلطان العادل المتمسك بولاء الإمام الحق المنتسب إلى الخلافة العباسية، فكل متمرد على الحق فإنه مردود بالسيف إلى الحق، فيجب على الأمير وأشياعه قتال هؤلاء المتمردة عن طاعته، ولا سيَّما وقد استنجدوا بالنصارى المشركين وأوليائهم, وهم أعداء الله فى مقابلة المُسْلِمِين الذين هم أولياء الله، فمن أعظم