وكما أن على الزوج أن يحفظ حق والد الزوجة، كذلك على الزوجة الصالحة أن تحفظ حق والدي الزوج، وأن تعي وتدرك أن حنان الوالدين وأن ما في قلبي الوالدين من الرحمة والصلة بالولد فوق الخيال وفوق التصور، فينبغي أن تقدر هذه العاطفة، وأن تقدر هذه الرحمة التي قذفها الله في قلب الوالد والوالدة، ولا يكون هناك ما يبعث على الغيرة أو على قطع الولد عن والديه، ولتكن على علم أنها إذا أرادت أن يبارك الله لها في زوجها وأن يقر عينها به فلتعنه على بر والديه، وإذا كان والدي الزوج بحاجةٍ إلى قرب الولد أن تكون قريبةً منهما، وأن تقابلهما بالمحبة والإجلال والوفاء، ولقد أباح الله وجعل والد الزوج محرماً لزوجة ابنه، حتى يحصل التواد والتراحم والتواصل، وتنظر المرأة لوالد زوجها وكأنه والدٌ لها، فتشفق عليه، وترعى أموره، وتحسن إليه، وكذلك لوالدته.
وأكثر ما تقع المشاكل بين الزوجات والأمهات، والسبب في ذلك واضح وهو: أن أبلغ الحنان وأكمل ما تكون الرحمة من أمةٍ لعبدٍ أو من عبد لعبد أو من أمةٍ لأمة إنما هو حنان الأم لولدها، ولا تلام في ذلك، قال صلى الله عليه وسلم لما دمعت عيناه على ابنه إبراهيم قيل: (ما هذا يا رسول الله؟ قال: رحمةٌ أسكنها الله في قلوب عباده) ، فالله أسكن في قلب الأم رحمة تحن بها إلى ولدها، وتصبح فارغة الهم إلا من ولدها، فما على الزوجة إلا أن تقدر ذلك، فإذا انطلقت من منطلق الغيرة أو وسوسة الشيطان لها بالوساوس والخطرات قطعت الوالدة عن ولدها، وقطعت الزوج عن أمه وأبيه، وعندها تتأذن بسخط الله -والعياذ بالله- وغضبه.
الله أعلم كم من قلب أمٍ تقرّح بسبب أذية الزوجة وإضرارها، وكم من عينٍ بكت ودمعت بسبب ظلم الزوجة وأذيتها لوالد الزوج، الله الله! على المرأة المؤمنة أن تخاف الله وتتقيه، وإذا كانت تعين بعلها على الظلم وعلى القطيعة فلتعلم أنه سيأتي يوم يؤذنها الله هي وبعلها بالعقوبة، فالعقوق لا خير فيه، وإنه من الذنوب التي يعجل الله به العقوبة، ويقول بعض العلماء: (إذا كانت المرأة تعين زوجها على عقوق الوالدين فإنها تجمع بين ذنبين وبين إساءتين، الذنب الأول: أنها شريكةٌ له في عقوق الوالدين، والعياذ بالله! والذنب الثاني: أنها قاطعةٌ للرحم) وجاء في الخبر أنه: (ما من ذنبٍ أحرى أن تعجّل عقوبته في الدنيا، مع ما ادخره الله لصاحبه من عقوبة في الآخرة من قطعية الرحم) ، فقطيعة الرحم عذابها عاجل؛ ولذلك قال الله في كتابه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22-23] ، يقول بعض العلماء: (من قطع رحمه ختم الله على قلبه، فمهما مرت عليه المواعظ ومرت عليه الآيات فلا يتعظ) ، نسأل الله السلامة والعافية! ولو اتعظ يتعظ إلى حين، ولذلك كان بعض العلماء: إذا اشتكى أحدٌ من قسوة القلب سأله، وقال له: كيف أنت والرحم؟ فالمرأة التي تعين بعلها على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين قاطعةٌ لرحمها، لا تخاف الله عز وجل في زوجها، ولا تخاف الله في رحمها، وإذا كانت المرأة ترى من والدي الزوج أموراً توجب لها أن تضر بوالدي الزوج فما عليها إلا أن تبذل كل ما تستطيع بالصبر واحتساب الأجر، وعليها أن تسأل العلماء حتى تعلم ما الذي يجب عليها فعله، ففي بعض الأحيان يتدخل والد الزوج ووالدته أو يتدخل والد الزوجة ووالدتها في شئون البيت، الأمر الذي يحدث النفرة من الزوج أو يحدث النفرة عند الزوجة.
والواجب في مثل هذه المواقف أن ينظر الزوج والزوجة إلى المفاسد، فإن وجد الزوج مفسدة تدخل والدي الزوجة أعظم من مفسدة إبعادها عنهما، فحينئذٍ يبعدها عن والديها، ويأذن لها بالزيارة في حدودٍ ضيقة، حتى تصلها وتقوم بحق البر مع الأمن من الأذية والإفساد والإضرار، وكذلك أيضاً إذا كان والدا الزوج يتدخلان في شئون الزوجة وفي شئون البيت بالإفساد والإضرار والأذية فالمرأة مخيرةٌ بين أمرين: إما أن تصبر وتحتسب الأجر، فهذا أحسن وأفضل وأكمل، وإما أن تنظر إلى المفاسد، فإن غلبت مفسدة التدخل سألت زوجها أن يبعدها عن والديه.
وعلى الأزواج أن يتقوا الله في زوجاتهم، فإذا نظروا أن تدخل الوالدين في شئون البيت يُحدث للمرأة أذيةً وإضراراً لا يسعها الصبر عليهما فعلى الزوج أن يتق الله في زوجته، وأن ينصفها من أهله ووالديه، وإذا قام بإبعاد زوجته عن والديه فلا يُعدّ عاقاً لوالديه، ولو سكن بعيداً عن والديه في هذه الحالة المشتملة على الإضرار والأذية، مع تفقد الوالدين؛ لأن الله عز وجل لا يأمر بالظلم ولا يرضى به، فلا يأمر الله عز وجل بالظلم، فيقال للرجل: أبق هاهنا إرضاءً لوالديك، والوالدان سوطا عذاب على المرأة في أذيةٍ وإضرار وظلم وإجحاف، والعكس كذلك.
وعليهما -على الزوج والزوجة- أن يتقي الله كلٌ منهما في الآخر، وأن ينظر للأمور بمنظارها الشرعي، من حيث ترتب المفاسد ووجود المصالح، وإذا كانت المرأة ترى المفاسد عظيمة واختارت الصبر، فهذا أفضل وأعظمُ أجراً؛ لأن الله تعالى يقول: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:17-18] ، قالوا: أحسنه أي: أحسن القرآن؛ لأن القرآن فيه حسن وفيه أحسن، فحسنُ القرآن أن ترد المرأة الإساءة بالإساءة، والرجل يرد الإساءة بالإساءة؛ ولكن الأحسن أن يرد الإساءة بالإحسان؛ وذلك لمن قال الله عنه: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35] هذا من جهة والدي الزوجة ووالدي الزوج.