Q فضيلة الشيخ! بعض الرجال يسافرون للعمل ويتركون زوجاتهم أكثر من سنتين، فهل يعتبر ذلك ظلماً؟
صلى الله عليه وسلم هذه مسألة تحتاج إلى نظر، التغرب للعمل لا يخلو من أحوال: الحالة الأولى: أن يكون الزوج يغلب على ظنه ويغلب على ظن الزوجة أنها ستقع في الحرام إن غاب عنها زوجها، فحينئذٍ لا يجوز للزوج أن يتغرب، ويخير بين أمرين، بين أن يبقى مع زوجه بما قسم الله وما كتب الله له من رزق ويحفظ عرضها، وبين أن يسرِّحها بإحسان؛ لأن الأسباب آخذة حكم ما تفضي إليه من نتائج، فلما كان السفر سيوقع المرأة في الحرام، والغالب أنها ستقع في الحرام، فليس للرجل أن يتسبب في وقوع زوجته في الحرام فهذا ليس من شرع الله، لأن الله لا يأمر بحرام ولا يأذن بحرام، ولذلك إذا كان سفره سيوقعها في الحرام، وغلب على ظنه أنها ستقع في الحرام، أو بيئتها التي هي فيها بيئةٌ فاسدة لا تستطيع فيها الصبر على الحرام وغالباً ما تقع وتستزل وتستدرج فحينئذٍ لا يجوز له أن يسافر حتى يبت في الأمر، إما أن يبقى معها، وإما أن يسرحها بإحسان، أو يأخذها معه في السفر، هذا إذا غلب على ظنه أو غلب على ظنها، لأن الغالب كالمحقق.
الحالة الثانية: أن يغلب على ظنه ويغلب على ظنها حفظ حدود الله، وتقوى الله عز وجل والسلامة من الحرام، وطابت نفس المرأة أن تصبر وعلمت من نفسها أنها تقوى على الصبر، واختارت لبعلها أن يطلب حلال العيش والكسب الطيب، فهي مأجورة على معونته والله يثيبها، كما أنها مثابة بما يكون من حسن المعاشرة، مثابة على الصبر على زوجها ومرور لياليها وأيامها، والله كاتبٌ لها أجرها، لأنه لولا الله ثم صبرها ما تغرب، فهي تعينه على هذا الخير الذي سيعود عليها وعليه وعلى أولاده بالخير والنفع، فهي مأجورة على ذلك، هذا إذا غلب على ظنها أنها تحفظ نفسها عن الحرام، أو كانت البيئة تعينها على ذلك.
الحالة الثالثة: أن تكون المرأة في شك، فحينئذٍ الاحتياط والأصل أنها لا تأذن، ويكون حكمه حكم الحالة الأولى، لكن لو سافر وخيرت، قالت: لو سافرت إن خشيت الوقوع في الحرام فسأكتب لك، فحينئذٍ يسافر فإن كان حفظت نفسها فالحمد لله، وإذا لم تحفظ نفسها فإنها تكون مخيرة بين البقاء وبين تطليقه لها، والله تعالى أعلم.
والعلماء ينصون على أنهما إذا اصطلحا واتفقا ورضي الطرفان لا حرج، فالزوجان إذا اتفق وتراضيا فلا جناح عليهما ولو إلى سنة أو سنتين أو ثلاث أو أربع؛ لأن هذا حق من حقوق المرأة، والمراد به حفظ حق الله عز وجل، فإذا حفظت حقوق الله فلا حرج، لكن إذا غلب الوقوع في المحظور فكما سبق، يحرم عليه أن يتسبب في ذلك، والله تعالى أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.