نعود إلى موضوعنا ونقول إنه ربما قام بعض هؤلاء الصالحين بالأمر والنهي ولكن قام بهم مانع يحول دون تحقق وصف الصلاح أو الإصلاح فيهم، وإن خفي هذا على البشر فليس بخاف على الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وقد يكون السبب المانع من العذاب قائماً متحققاً كأن يكون الأمر بالمعروف لا يكل عنه المصلحون، والنهي عن المنكر لا يمل منه الطيبون، ومع ذلك ينزل الله العذاب، فيكون هذا من قبيل تخلف النتيجة مع تحقق السبب بقدر الله وأمره لاقتضاء الحكمة له في ذلك الموطن، كتخلف الولد على الرغم من حصول سببه وهو الزواج، ونحو ذلك مما هو مخالف للأصل، فيقدر بقدره.
والأصل هو أن الإصلاح من أسباب نجاة الداعين، وتقليل خبث المخبثين، وتأخير العقوبة عن عامة الناس أجمعين.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا شك أنه سبب رئيسي لإكرام الله للمُحتسِب بالنجاة عند حلول العذاب.
ويمكن تقسيم تعلق النجاة بالأمر والنهي؛ إلى أقسام:
1 - فإن وضع المصلحون المعروف ورفعوا المنكر بأمرهم ونهيهم، سلموا وسلم الناس جميعاً.
2 - وإن تركوا الأمر والنهي بلا موجب شرعي هلكوا وهلك الناس، ومثال صورة هذين الفريقين هي المذكور في حديث السفينة؛ حديث النعمان بن بشير في الصحيح والذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: ما لك! قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء! فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم".
3 - فإن أمروا ونهوا وبذلوا ما في وسعهم فلم يستجب لهم، ففارقوا قومهم وفاصلوهم، كما فعل كثير من أنبياء الله قبل حلول العذاب بأقوامهم، حينها تكون المُفاصلة نجاة لهم، كما كانت نجاة لأنبياء الله ورسله، وعندها يكون البقاء محرماً لوجوب الهجرة المتعينة، وهذا المعنى يُمكن انتزاعه من حديث السفينة فقد ضربت صورة للمسألة وبُيّن المآل لاحتمالين، وسكت عن تبين المآل فيما إذا لو حاول الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر الأخذ بأيدي الواقعين في محارم الله فلم ينتهوا وأصروا على الخرق بالوقوع في المحارم، فهنا يتعين على الآمرين والناهين المفارقة لينجو بأنفسهم قبل أن يُدركهم الغرق، وقد استدل غير واحد من أهل العلم على وجوب المفارقة إن استشرى الفساد بالآثار المؤذنة بحلول العذاب العام، قال الزرقاني: "وفي الاستذكار هذا يقتضي أنه لا ينبغي المُقام بأرض يظهر فيها المنكر