في البداية إن من رحمة الله بالخلق أنه لا يعذبهم بعذاب عام ينال المسيء والمحسن إلاّ إذا فشى فيهم الخبث وظهر بينهم، وابتعدوا عن منهج الله، قال المهلب " ظهور الزلازل والآيات وعيد من الله تعالى لأهل الأرض، قال الله تعالى: "وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً" [الإسراء: 95]، والتخويف والوعيد بهذه الآيات إنما يكون عند المجاهرة والإعلان بالمعاصي، ألا ترى أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين زلزلت المدينة في أيامه قال: (يا أهل المدينة ما أسرع ما أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم). فخشي أن تصيبه العقوبة معهم" ... انتهى.
وحينها يكون الهلاك خيراً عند أهل الإيمان المغلوبين على أمرهم من الحياة وسط بيئة يُحارب فيها الله صباح مساء، ويُجاهر فيها بمعصيته ومحادته.
وعلى هذا جرت سنة الله في خلقه فمتى استشرى السرطان في الجسد، وتمكن منه، فغلب عليه فساد أعضائه، بعث الله برحمته ملك الموت ليقبض المُصاب على الرغم من صلاح الكبد والطحال أو غيرها من الأعضاء، فيموت المريض وله قلب ينبض، وعقل يحمد، ولو مد الله في أجله لفسدا تأثراً بالبيئة السرطانية.
وهكذا إذا استشرى الفساد في المجتمعات، وأبى مفارقتها أهل الصلاح لغير موجب شرعي , أوشك أن يعمهم العذاب، إما عقوبة لهم على بقائهم بلا موجب شرعي، أو رحمة بهم قبل أن ينالهم الفساد الذي أحكم قبضته فحال بينهم وبين المفارقة.
وفي حديث أنس المتفق عليه: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي"، فدل هذا بمفهومه على أن الوفاة قد تكون خيراً للمسلم.
قال ابن عبد البر عند هذا الحديث بعد أن قرر النهي عن تمني الموت لبلاء نزل: "وقد يجوز تمني الموت لغير البلاء النازل، مثل أن يخاف على نفسه المرء فتنة في دينه ... انتهى"، قال النووي: "فيه التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا، فأما إذا خاف ضرراً في دينه أو فتنة فيه فلا كراهة فيه لمفهوم هذا الحديث وغيره وقد فعل هذا الثاني خلائق من السلف عند خوف الفتنة في أديانهم ... انتهى".
وما ضر مشتاق إلى لقاء ربه، طامع في النظر إلى وجهه، أن تعجلت له بوادر ذلك، بأمر الله إذا فسد الناس.
وهنا أخي القاراء الكريم قد يقول قائل: كيف تعدون هذه الزلازل وتلك الكوارث والحوادث عقوبات من الله وقد يهلك فيها الصالحون، أو يجوز نزول العذاب على الصالحين عندكم؟ ومع أن هذه المقدمة تشير إلى الجواب، بل النص النبوي فيها