وقد تبين من هذه التعريفات أن البلاء والابتلاء أعم من المصيبة من وجه وأخص من وجه آخر، فالبلاء والابتلاء أعم من المصيبة من وجه لأنهما يكونان في السراء والضراء، وأما المصيبة فلا تكون إلا في الضراء، ولكن في ذات الوقت البلاء والابتلاء أخص من المصيبة من وجه آخر لأن المصيبة تصيب المكلفين وغيرهم كالأطفال بينما البلاء والابتلاء لا يكون إلا في حق المكلفين.
وعلى هذا فالمرء إذا اختبر بنعمة أنعم الله عليه بها لتبين ما سيكون حاله من شكر لتلك النعمة أو كفران لها، فهذا إنما يوصف بأنه بلاء وابتلاء، ولا يمكن وصفه بأنه مصيبة، وأما إذا اختبر ببعض الفواجع والدواهي لتبين ما سيكون عليه حاله من الصبر أو الجزع، فهذا يمكن أن يوصف بأنه مصيبة وبلاء واختبار.
المعلم الأول: لا عقوبة من الله عز وجل إلا بذنب والأدلة على ذلك أكثر من أن تُحصر وأشهر من أن تُذكر.
المعلم الثاني: العقوبة تنقسم إلى قسمين من حيث الصورة:
القسم الأول: عقوبة ظاهرة حسية وهي ما كانت في قالب ضراء.
القسم الثاني: عقوبة خفية معنوية وهي ما كانت في قالب سراء في الحال وإن كان مآلها الضراء لا محالة باعتبار العاقبة , فكما أن العقوبة الظاهرة تكون بالضراء فقد تكون بقالب سراء ومن ذلك عقوبة المُعرض عن ربه بإقبال الدنيا عليه استدراجاً له وعقوبته بوحشة في قلبه حين يذنب وعقوبته بإتباع السيئة بسيئة أخرى.
المعلم الثالث: العقوبة تنقسم إلى قسمين من حيث المقاصد:
القسم الأول: عقوبة مخففة وتسمى الكفارة وهي العقوبة الناتجة عن محبة الله للعبد وإحسانه إليه من حيث العاقبة وذلك كالعقوبات التي تكون كفارة للمؤمن كقوله تعالى (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) وقوله (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) والمقصود بالمصيبة هنا هي المصائب الجارية مجرى العقوبة والجزاء على الذنب لا مُطلق المصيبة وقول الرسول عليه الصلاة والسلام "ما يصيب المسلم من هم، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" رواه مسلم. وقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده أو في ماله أو في ولده حتى يلقى الله سبحانه وما عليه خطيئة) رواه أحمد في مسنده عن أبي هريرة , ومن العقوبة المخففة العقوبة التي يُراد منها التنبيه والتذكير لعل المسيء يتوب وهذه عامة للمسلم بإطلاق ولغير