بحجر منقوش، فطلب من يقرأه، فإذا فيه: ابن آدم! لو رأيت قرب ما بقي من أجلك لزهدت في طول أملك، ولرغبت في الزيادة من عملك، ولقصرت من حرصك وحيلك، وإنما يلقاك ندمك لو قد زلت بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، فبان منك الولد والنسب، فلا أنت إلى دنياك عائد، ولا في حسناتك زائد، فاعمل ليوم القيامة، يوم الحسرة والندامة.
واعلم أن السبب في طول الأمل شيئان:
أحدهما: حب الدنيا. والثاني: الجهل.
أما حب الدنيا فإن الإنسان إذا أنس بها وبشهواتها ولذاتها وعلائقها، ثقل على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه من الفكر في الموت الذي هو سبب مفارقتها، وكل من كره شيئًا دفعه عن نفسه، والإنسان مشغول بالأماني الباطلة، فيمني نفسه أبدًا بما يوافق مراده من البقاء في الدنيا، وما يحتاج إليه من مال وأهل ومسكن وأصدقاء وسائر أسباب الدنيا، فيصير قلبه عاكفًا على هذا الفكر، فيلهو عن ذكر الموت، ولا يقدر قربه. فإن خطر له الموت في بعض الأحوال والحاجة إلى الاستعداد له، سوَّف بذلك ووعد نفسه، وقال: الأيام بين يديك إلى أن تكبر ثم تتوب. وإذا كبر قال: إلى أن يصير شيخًا، وإن صار شيخًا، قال: إلى أن يفرغ من بناء هذا الدار، وعمارة هذه الضيعة، أو يرجع من هذه السفرة، فلا يزال يسوَّف ويؤخر، ولا يحرص في إتمام شغل إلا ويتعلق بإتمام ذلك الشغل عشرة أشغال، وهكذا على التدريج يؤخر يومًا بعد يوم، ويشتغل بشغل بعد شغل، إلى أن تخطفه المنية في وقت لا يحتسبه، فتطول عند ذلك حسرته.
وأكثر صياح أهل النار من «سوف» يقولون: واحسرتاه! من «سوف».
وأصل هذه الأماني كلها حبُّ الدنيا والأنس بها، والغفلة عن قول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أحبب ما شئت فإنك مفارقه» (?).
السبب الثاني: الجهل، وهو أن الإنسان يعول على شبابه، ويستبعد قرب الموت مع الشباب، أو ليس يتفكر المسكين في أن مشايخ بلده لو عدوا كانوا أقل من العشر؟ وإنما قلوا لأن الموت في الشباب أكثر، وإلى أن يموت شيخ قد يموت ألف صبي وشاب، وقد يغتر بصحته، ولا يدري أن الموت يأتي فجأة، وإن استبعد ذلك، فإن المرض يأتي فجأة، وإذا مرض لم يكن الموت بعيدًا، ولو تفكر وعلم أن الموت ليس له وقت مخصوص، من صيف