قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ - وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27].
جاء في «مختصر منهاج القاصدين» (?) ما مختصره:
اعلم: أن المنهمك في الدنيا المكب في غرورها يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت فلا يذكره، وإن ذكره كرهه ونفر منه ...
وعلى كل حال، ففي ذكر الموت ثواب وفضل، فإن المنهمك في الدنيا قد يستفيد بذكر الموت التجافي عن الدنيا؛ لأن ذكره ينغص عليه نعيمه ويكدره.
فضل ذكر الموت:
قال اللَّه تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].
وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أكثروا ذكر هاذم اللذات: الموت»، رواه الترمذي وقال: حديث حسن (?).
واعلم: أن خطر الموت عظيم، وإنما غفل الناس عنه لقلة فكرهم وذكرهم له، ومن يذكره منهم إنما يذكره بقلب غافل، فلهذا لا ينجع فيه ذكر الموت، والطريق في ذلك أن يفرغ العبد قلبه لذكر الموت الذي هو بين يديه، كالذي يريد أن يسافر إلى مفازة مخطرة، أو يركب البحر، فإنه لا يتفكر إلا في ذلك. وأنفع طريق في ذلك ذكر أشكاله وأقرانه الذين مضوا قبله، فيذكر موتهم ومصارعهم تحت الثرى.
قال ابن مسعود رضي اللَّه عنه: السعيد من وعظ بغيره. وقال أبو الدرداء رضي اللَّه عنه: إذا ذكر الموت، فعد نفسك كأحدهم.
وينبغي أن يكثر دخول المقابر، ومتى سكنت نفسه إلى شيء في الدنيا، فليتفكر في الحال أنه لا بد من مفارقته، ويقصر أمله.
وقد روى عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: أخذ رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
وعن أبي زكريا التيمي قال: بينما سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام، إذ أتي