وشتاء وربيع وخريف وليل ونهار، ولا هو مقيد بسن مخصوص، من شاب وشيخ أو كهل أو غيره، لعظم ذلك عنده واستعد للموت.

فصل: في تفاوت الناس في طول الأمل

والناس متفاوتون في طول الأمل تفاوتًا كثيرًا، منهم من يأمل البقاء إلى زمان الهرم، ومنهم من لا ينقطع أمله بحال، ومنهم من هو قصير الأمل، فروي عن أبي عثمان النهدي أنه قال: بلغت ثلاثين ومائة سنة، وما من شيء إلا قد عرفت فيه النقصان إلا أملي فإنه كما هو.

وحكي في قصر الأمل أن امرأة حبيب أبي محمد قالت: كان يقول لي - يعني أبا محمد: إن مت اليوم فأرسلي إلى فلان يغسلني ويفعل كذا وكذا، واصنعي كذا وكذا، فقيل لها: أرأى رؤيا؟ قالت: هكذا يقول كل يوم.

وعن محمد بن أبي توبة قال: أقام معروف الصلاة ثم قال لي: تقدم، فقلت: إني إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم غيرها، فقال معروف: أنت تحدث نفسك أنك تصلي صلاة أخرى؟ نعوذ باللَّه من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل.

فهذه أحوال الزهاد في قصر الأمل، وكلما قصر الأمل، جاد العمل، لأنه يقدر أن يموت اليوم، فيستعد استعداد ميت، فإذا أمسى شكر اللَّه تعالى على السلامة، وقدر أنه يموت تلك الليلة فيبادر إلى العمل.

وقد ورد الشرع بالحث على العمل والمبادرة إليه:

ففي «صحيح البخاري» عن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ» (?).

وعنه: أن رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015