وفي كتب السحر والسر المكتوم من هذا عجائب. ولهذا كلما كان الساحر أكفر وأخبث وأشد معاداة لله ولرسوله ولعباده المؤمنين كان سحره أقوى وأنفذ.

والمقصود: أن الساحر والحاسد كل منهما قصده الشر، لكن الحاسد بطبعه ونفسه وبغضه للمحسود، والشيطان يقترن به ويعينه، ويزين له حسده، ويأمره بموجبه. والساحر بعلمه، وكسبه، وشركه، واستعانته بالشياطين.

فصل

ويندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب (?):

أحدها: التعوذ باللَّه من شره، والتحصن به واللجأ إليه. وهو المقصود بهذه السورة واللَّه تعالى سميع لاستعاذته، عليمٌ بما يستعيذ منه، والسمع هنا المراد به: سمع الإجابة، لا السمع العام. فهو مثل قوله: «سمع اللَّه لمن حمده» وقول الخليل - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} [إبراهيم: 39] ومرة يقرنه بالعلم، ومرة بالبصر، لاقتضاء حال المستعيذ ذلك، فإنه يستعيذ به من عدو يعلم أن اللَّه يراه، ويعلم كيده وشره. فأخبر اللَّه تعالى هذا المستعيذ أنه سميع لاستعاذته، أي مجيب، عليم بكيد عدوه، يراه ويبصره، لينبسط أمل المستعيذ، ويقبل بقلبه على الدعاء.

وتأمل حكمة القرآن، كيف جاء في الاستعاذة من الشيطان الذي نعلم وجوده ولا نراه بلفظ: {السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} في الأعراف (?) وحم السجدة أي: فصلت (?). وجاءت الاستعاذة من شر الإنس الذين يؤنسون ويرون بالأبصار بلفظ: {السَّمِيعُ البَصِيرُ} في سورة حم المؤمن فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: 56] لأن أفعال هؤلاء أفعال معاينة ترى بالبصر، وأما نزغ الشيطان فوساوس، وخطرات يلقيها في القلب، يتعلق بها العليم فأمر بالاستعاذة بالسميع العليم فيها. وأمر بالاستعاذة بالسميع البصير في باب ما يُرى بالبصر، ويدرك بالرؤية، واللَّه أعلم.

السبب الثاني: تقوى اللَّه، وحفظه عند أمره ونهيه. فمن اتقى اللَّه تولى اللَّه حفظه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015