من «تحفة الأحوذي».
وجاء في «زاد المعاد» (جـ4 ص 173):
7 - (ومن علاج ذلك أيضًا والاحتراز منه ستر محاسن من يخاف عليه العين بمن يردها عنه، كما ذكر البغوي في كتاب «شرح السنة»: أن عثمان رضي اللَّه عنه رأى صبيًا مليحًا، فقال: دَسِّمُوا نُونَتَه، لئلا تصيبه العين، ثم قال في تفسيره: ومعنى: دسموا نونته: أي: سودوا نونته، والنونة: النقرة التي تكون في ذقن الصبي الصغير.
وقال الخطابي في «غريب الحديث» له: عن عثمان إنه رأى صبيًا تأخذه العين، فقال: دسموا نونته. فقال أبو عمرو: سألت أحمد بن يحيى عنه، فقال: أراد بالنونة: النقرة في ذقنه. والتدسيم: التسويد. أراد: سودوا ذلك الموضع من ذقنه، ليرد العين). اهـ من «زاد المعاد».
وجاء في «التفسير القيم» لابن القيم رحمه اللَّه تعالى (ص 577: 594) ما مختصره:
(والعاين والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء).
فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه، وتتوجه نحو من يريد أذاه.
فالعائن: تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته.
والحاسد: يحصل له ذلك عند غيبة المحسود وحضوره أيضًا.
ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده، من جماد أو حيوان، أو زرع، أو مال، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه. وربما أصابت عينه نفسه، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق، مع تكييف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين.
والمقصود: أن العائن حاسد خاص. وهو أضر من الحاسد. ولهذا - واللَّه أعلم - إنما جاء في السورة ذكر الحاسد دون العائن لأنه أعم.
فكل عائن حاسد ولا بد. وليس كل حاسد عائنًا. فإذا استعاذ من شر الحاسد دخل فيه العائن. وهذا من شمول القرآن وإعجازه وبلاغته.
والشيطان يقارن الساحر والحاسد، ويحادثهما ويصاحبهما. ولكن الحاسد تعينه الشياطين بلا استدعاء منه للشيطان، لأن الحاسد شبيه بإبليس، وهو في الحقيقة من أتباعه؛ لأنه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس، وزوال نعم اللَّه عنهم، كما أن إبليس حسد آدم لشرفه وفضله، وأبى أن يسجد له حسدًا. فالحاسد من جند إبليس. وأما الساحر فهو يطلب من الشيطان أن يعينه ويستعينه. وربما يعبده من دون اللَّه، حتى يقضي له حاجته، وربما يسجد له.