ولم يكله إلى غيره. قال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران: 120] وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعبد اللَّه بن عباس: «احفظ اللَّه يحفظك، احفظ اللَّه تجده تجاهك» (?)، فمن حفظ اللَّه حفظه اللَّه، ووجده أمامه أينما توجه. ومن كان اللَّه حافظه وأمامه فممَّن يخاف؟ وممَّنْ يحذر؟
السبب الثالث: الصبر على عدوه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلاً. فما نُصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه، والتوكل على اللَّه ولا يستطل تأخيره وبغيه.
السبب الرابع: التوكل على اللَّه: والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم. وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإن اللَّه حسبه، أي كافيه. ومن كان اللَّه كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، ولا يضره إلا أذى لا بد منه، كالحر والبرد، والجوع والعطش، وإما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدًا.
وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء له، وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه، وبين الضرر الذي يتشفى به منه.
قال بعض السلف: جعل اللَّه لكل عمل جزاء من جنسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده، فقال: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]، ولم يقل: نؤته كذا وكذا من الأجر كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه، وواقيه.
السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له فلا يلتفت إليه ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه.
السبب السادس: وهو الإقبال على اللَّه والإخلاص له، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه، وأمانيها تدب فيها دبيب تلك الخواطر شيئًا فشيئًا، حتى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كلها في محاب الرب، والتقرب إليه وتملقه وترضيه، واستعطافه وذكره، قال تعالى حكاية عن عدوه إبليس: أنه قال: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ - إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83]، فقال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]، وقال: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ