التاجر الكسب الحاضر والربح الوفير، فتميل إليه نفسه وتتعلق به رغبته، فيقول له الدين: اترك هذا الربح لأن فيه ربا، وهو حرام. ويرى الفتى بنت الجيران، فيشير إليها وتشير إليه، ويكلمها وتكلمه، ويرغب فيها وترغب فيه، وتشغله عن كل عمل فلا يفكر إلا فيها ويشغلها عن كل شغل فلا تفكر إلا فيه، ويربط الشيطان حبله بحبلها ويمهّد له الطريق إليها، فيقول له الدين: ابتعد عنها، لا تنظر إليها ولا تفكر فيها إلا بالزواج الحلال.
لذلك يرى الشاب الدين ثقيلاً، لأنه مجموعة قيود. والله نفسه وصف القرآن بأنه ثقيل، أي ثقيل على النفوس بما فيه من التكاليف والأوامر، فقال: {إنّا سَنُلْقي عَليْكَ قَوْلاً ثَقيلاً}.
وأثقل التكاليف أن تترك اللذة الحاضرة المطلوبة أملاً بلذّة غائبة مجهولة، وهذا هو الإيمان بالغيب. ولذلك أعدّ الله الثواب العظيم للمؤمنين بالغيب، وأثنى عليهم وبيّن أن ذلك أول صفة من صفات المتقين: {ذلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فيه هُدَىً للمُتَّقينَ، الذينَ يُؤْمنونَ بالغَيْبِ، ويُقيمُونَ الصّلاةَ، وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُون}.
ومن هم المؤمنون بالغيب؟ ليسوا الذين يقولون بألسنتهم «آمَنّا»؛ بل الشاب المؤمن بالغيب هو الذي يرى رفاقه يسلكون طريق الفسوق، وهو يميل إليه، ويعالج في نفسه مثل حرّ النار من الرغبة فيه، ويتقلب في فراشه لا يستطيع أن ينام من تفكيره فيه، ولكن يقاوم نفسه ويكبت رغبته، ويترك هذه اللذة الحاضرة طمعاً باللذة الموعودة في الآخرة. والموظف المؤمن بالغيب هو الذي يرى زملاءه يَمُدّون أيديهم إلى المال الحرام فيكونون به