والقادة ما صاروا قادة بعبقرية اختصّهم بها الله، ولا بعلم اختصوا به أنفسهم وأحيوا في تحصيله لياليهم، ولا بعقل هو فوق العقول وذكاء لا يدانيه ذكاء، ولكنّما هي حرفة احترفوها ومسلك سلكوه: زيد وعمرو، أما زيد فجدّ واستقام ودرس حتى أكمل المدرسة، فصار معلماً أو كاتباً أو موظفاً، وأما عمرو فأهمل درسه وأضاع وقته، والتوى مع الطرق الملتوية فالتحق بالأحزاب وعاشر الأغراب، وولج حيث لا يَحْسُن الولوج وخرج من حيث يُستقبَح الخروج، ورفع ووضع وخرب وأصلح حتى عرفه الناس، فكان نائباً، ثم صار وزيراً، ثم تمّت آثار قدرة الله القادر على كل شيء فاستحال قائداً من القادة!

* * *

والأدباء وأهل الصحف، هَمُّ أكثرهم التزلّفُ إلى القراء والوصول إلى رضاهم، رأوا أقرب الطرق طريق الشهوة فسلكوه وركبوا فيه الصعب والذَّلول: من الصور العارية، والقصص المثيرة، وطريق الإغراب في عرض الأخبار، وتكبير الصغير، وتعظيم الحقير، وتشويه أوجه الحقائق ... فيقرأ الناشئ الشيء وضده، فلا يؤمن من بعدُ بشيء. وإن كان في الكُتّاب من يدعو إلى إصلاح في لغة صحيحة وأسلوب منقح لم يقرأه إلا الخاصة، وإن كانت مجلة على هذه الصفة لم يُبَع منها مع كل ألف من تلك عدد واحد!

* * *

ولعلي بالغت أو غلب عليّ التشاؤم، فلم أرَ إلا ما ذكرت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015