وربما ... ربما مدّوا أعينهم إلى عِرضه!
وهم -بعد ذلك- جيش مجيَّش، نصفهم لا يُحتاج إليه ولا يُنتفَع به، قد جاءت به الوساطات والشفاعات فرفعته من غير كفاية على أهل الكفايات، ومَن اقتصر منهم على مرتَّبه ليعيش به عاش من قلّة المرتب حياة هي كالموت، ولم يكفِه المرتب ثمن الخبز، فكأن الحكومة تقول لصغار الموظفين: اذهبوا فاسرقوا لتعيشوا، فإن ثمن خبزكم أعطيناه لكبار الموظفين لينفقوه على الترف والسرف والقرف (?).
* * *
ثم إن العلماء، وهم عدّة الإصلاح ولُسُن الحق ودعاة الله، هربوا واختبؤوا في بيوتهم، فمنهم من لا يرى المنكر ولا يعرفه، ومنهم من يراه ولا ينكره، ومنهم من ينكره همساً، ومنهم من يعلن ولا يعرف الطريق الموصل إلى رفع المنكرات، ومنهم من ملأت قلبَه الدنيا فهو يسعى إليها ويزاحم عليها، وربما اصطادها بشبكة من لحية عريضة وقيّدها بسبحة طويلة وأخفاها تحت عمامة ضخمة، وذلّ من أجلها للحكام وخضع للأغنياء، وفقد القلب الذي يقتحم الأهوال واللسان الذي يصدع بالحق، فغدا يقول ولا يُستمَع لقوله، وينكر ولا يُلتفَت لإنكاره، وجُلّهم لا قلم له يخاطب به الناس ويسوقهم به إلى الحق ولا لسان، فكيف يكون داعياً من لا يكون خطيباً ولا كاتباً؟!
* * *