بعد سنة، وجماعة المستشفى مَثَل نادر كالنسخة المخطوطة من الكتاب القيّم، وشابّا الترام النموذج الشائع كالكتاب المطبوع، فلمن منهما تكون الغلبة ويكون النصر؟ أيهما يَجُرّ مصر معه في طريقه ويوجّهها وجهته؟ لمن يكون غَدٌ ويكون المستقبل ... إلى أين تمشي مصر؟

لقد كان لنا أستاذ يعلمنا التاريخ، كان ضابطاً في الجيش العثماني، وكان له قانونان هما عنده الأصلان اللذان تُرَدّ إليهما حوادث التاريخ كلها، وهما قانونا الوجود: أولهما أن الشيء المصادم للطبيعة لا يدوم، وثانيهما أن كل شيء يمشي على محيط دائرة: فهو يبدأ من الحضيض، ثم يعلو حتى يبلغ الأوج، ثم ينحدر. الطفل يولد ضعيفاً ثم يحبو ثم يدرج، ثم يبلغ أشده وينازع -مِن جهله- اللهَ في ملكه، ثم يعود طفلاً بلحية بيضاء. والقمر يكون هلالاً ثم بدراً ثم يدركه المحاق. والشجرة والحزب والحكومة وكل ما في الوجود، وإنما تتفاوت الأشياء في مدة العلوّ والانحدار.

فهل هذا الذي نراه في الصحف والأفلام والشواطئ من التكشف طبيعي؟ أوَلا يؤدي إلى غلبة الشهوة حتى نصير كالعجماوات، ثم إلى موتها بالألفة حتى نصير كالجمادات، وكلاهما مصادم لطبيعة البشر؟ إنه إذن لن يدوم. ثم إنه أمر بلغ آخر مداه واستكمل فتوّته، وما بعد الفتوة إلا الكهولة فالعجز فالهلاك. أما «جماعة المستشفى» فأمرها هو الأمر، وهو اليوم ضعيف ضعف الطفولة ليِّنٌ لين الغصن، ولكن بعد الطفولة شباباً أيّداً، وبعد الغصن جذعاً راسخ الجذور باسق الفروع ممتد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015