أقمت في مصر 1928، فما كنت أظن يومئذ (ولا يظن أحد ولا يخطر على باله) أن سيجيء يوم يكتب فيه فلان وفلان من الكتّاب، أعني المجدّدين، في السيرة وفي التاريخ الإسلامي وفي منزل الوحي، ويدعون إلى الإسلام ويمجّدونه، فجاء هذا اليوم ورأيناه. وهَبوهم كتبوا رياء وتجارة وابتغاء الربح، أليس معنى هذا أن الناس قد تبدّلوا حتى صارت تَرُوج فيهم كتب الإسلام؟
وما كنت أظن يومئذ (ولا يظن أحد) أن هؤلاء النفر من الشبّان الذين اجتمعوا في المطبعة السلفية في شارع الاستئناف، ليعملوا للشبان المسلمين جمعية كجمعية الشبان المسيحيين، سيكونون في سنة 1947 نصف مليون شاب تضمهم جمعيات الإخوان والشبّان والهداية وأنصار السنة وشباب محمد.
وما كنت أظن يومئذ (ولا يظن أحد) يوم كان المتعلمون في مصر يلهجون بالفرعونية، والعامة لا يعرفون إن كانت بغداد في الشام أو القدس في العراق، أن الفكرة الإسلامية ستكون سنة 1947 ظاهرة جلية لكل مصري.
وما كنت أظن يومئذ، يوم لم يكن في مصر مجلة إسلامية إلا «المنار» و «الفتح» (ولا يظن أحد) أنه سيكون فيها جريدة إسلامية يومية، وأكثر من عشر مجلات أسبوعية وشهرية، ومجلة هي في مقدمة المجلات الأدبية منزلة وقيمة وانتشاراً، يستطيع أن ينشر فيها رجلٌ مثلي مثلَ الكلام الذي أنشره اليوم في «الرسالة».
وما كنت أظن يومئذ (ولا يظن أحد) أن طلاب الأزهر سينازلون الحكومة مطالبين بجعل الدين درساً أساسياً في جميع