الجنسين، في الجامعة والسوق والمخزن وكل مكان، فلا يلتقيان إلا على نسب أو زواج.

وغَثَت نفسي من هذه الأحاديث ولم أستطع أن أصغي إليها، فتركتهما ونزلت من الترام، وجعلت أقابل بين المشهدين وأوازن بين الجماعتين، وأفكر: لمَن منهما تكون الغَلَبة ويُكتَب النصر؟ أيهما يجرّ مصر معه في طريقه ويوجهها وجهته؟ لمن يكون غَدٌ ويكون المستقبل: للجِدّ أم للهزل؟ للعفاف أم للفسوق؟ للبلاج أم للمسجد؟ لجماعة المستشفى أم لرفيقَي الترام؟

أما أنا فلست خائفاً من الفساد ولو كَثُرَ أهله وقَوِيَ أنصاره، ولا يائساً من الإصلاح ولو طالت سُبُله وقلّت وسائله. وهل ييأس الرُّبان مهما اضطرب البحر وعلا الموج وهو يبصر أعلام الشاطئ؟ وهل يخاف البردَ -مهما اشتد وقَرَس- من يحس نسائم الربيع؟ وهل يخشى الظلامَ -مهما تراكب وأطبق- من يرى طلائع الفجر؟

لا، لست متشائماً ولا أحب التشاؤم، ومعاذ الله أن أقصر عليه قلمي أو أقف عليه لساني؛ ولكني أنظر إلى الأمام فأجد أن الطريق مديد والمنزل بعيد، والمسلك وعر والحوائل من صخر، فأصيح بالقافلة أن جِدِّي وأسرعي، لا تنقطعي ... وأنظر إلى الوراء فأرى أنها قطعت مراحل طِوالاً وجازت عقبات شِداداً، فأقول لها: قفي واستريحي لئلا تهلكي.

* * *

فتعالوا ننظر إلى الوراء لنرى كم قطعنا من الطريق: لقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015