ولكنه صعب لا يستطيعه كل من أراده، لأن عليه أن يجمع بين بيان حكم الله الذي لا يجوز كتمانه، وبين حفظ كرامة المخاطَبين، وأن لا نتعدى على ما منحهم الشارع من حرية في تصرفاتهم.
* * *
هذا كله يصلح للكبار، أما الصغار فأمرهم مختلف.
إن من أكبر أسباب الانحراف التي وجدتها خلال اشتغالي بالقضاء واطلاعي على الآلاف المؤلفة من القضايا، ومما رأيت وما سمعت من أحوال الناس، من أكبر هذه الأسباب غياب الأب عن أولاده أكثر النهار؛ ينهض صباحاً فيجدهم قد ذهبوا إلى مدارسهم، ويعود في الليل بعدما ناموا، فلا يكاد يراهم أو يرونه إلا يوم الجمعة. ومن الناس من يضطره عمله إلى هذا الغياب، ومنهم من يُؤْثر مجالسة أصحابه في المقهى أو في النادي على الإشراف على بيته.
وأنا لا أقول إن على الأب أن يبقى دائماً في الدار، لا يصاحب أحداً ولا يزور صديقاً، لأن من حقه أن يأنس بأصحابه، ومن حق الأم أن يكون لها صاحبات تأنس بهن ويزُرْنَها وتزورهن. ولكن يخرج الأب إلى أصحابه ساعتين أو ثلاثاً في اليومين أو الثلاثة، وتخرج الأم ساعتين في الأسبوع أو الأسبوعين، ثم يبقى كلاهما بعد ذلك مشرفاً على الأولاد: يَعلمان أين يذهبون، ومَن يصاحبون، وإن تأخر الولد في المدرسة ساعة سأل أبوه عنه، وإن صاحَبَ أحداً توثّق من خُلُقه ودينه قبل أن يأذن له بمصاحبته، ثم لا يدعه يذهب معه أو ينفرد وحده بزيارته إلا إن غدا شاباً.