بقي أن نسأل: ماذا يصنع الأولاد في الدار؟ وماذا يصنع الأب وهو معهم؟ هل يُلزمهم أن يقعدوا طول السهرة جالسين على ركبهم وأعينهم إلى الأرض كأنهم في مأتم، هَيبةً لأبيهم واحتراماً له؟ أو يجبرهم على أن يقرؤوا ويكتبوا ويراجعوا دروسهم ولا يَدَعوا الكتاب والقلم ساعة من ليل أو نهار؟ والمرأة ماذا تصنع؟ تطبخ وتكنس وتخيط فقط؟
لا؛ إن من حق المرأة أن تتسلى، ومن حق الأولاد أن يلعبوا. ومَن أراد أن يحفظ أولاده من الانحراف وأن يبقيهم معه في البيت، فليجعل البيت مستوفياً وسائلَ التسلية الجائزة شرعاً، ولتكن هذه الوسائل بإشرافه، على أن يكون إشرافه من بعيد لا يُشعر به زوجته ولا أولاده. وينبغي أن ينزل أحياناً إلى مستوى أولاده فيشاركهم أفكارهم وألعابهم ولهوهم، كما يعاونهم على دروسهم. وإذا كان في البيت الرادّ والرائي (أي الراديو والتلفزيون) فينبغي أن يتعوّد أهل البيت أن لا يسمعوا إلا ما لا ضرر من سماعه في الرادّ، ولا يروا إلا ما لا ضرر من رؤيته في الرائي، وأن يتركوا ما وراء ذلك راضين مقتنعين لا مكرَهين ولا مجبرين.
وإذا كان لدى الأولاد عمل مدرسي أو كان عندهم امتحان يعوّدهم أبوهم تقديم الجِدّ على التسلية والواجب على اللذة، ويربّيهم على ذلك حتى يصير كأنه طبع لهم. وإذا كان في البلد متنزّهات أو مشاهد غير محرَّمة فليأخذ أهله إليها في أيام العطلات، لأن تبديل لون الحياة لا بد منه، والتزام لون واحد يبعث على الملل؛ ولو كان الأولاد يعيشون في قصر فيه أفخم الفرش ويقدَّم فيه أطيب الطعام وفيه أنواع اللعب ولهم على بابه