إما أن يتصل بشيخ من أرباب الطرق الصوفية، فيلقنه طريقته ويحمله عليها، ويُلزمه بأمور لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا الصدر الأول، ويقول له: إن هذا هو الدين. أو أن يكون الشيخ من الذين اشتغلوا بالفقه كما كان يُعرَف الاشتغال بالفقه من خمسين أو ستين سنة، وذلك بأن يقرأ الطالب على مشايخه كتب الآخرين ويفهمها، ثم يُقرئها ويُفهمها، لا يبحث عن دليل، ولا يفرّق بين الثابت بالنص وما هو مستند إلى عرف أو اجتهاد يخطئ ويصيب، فيتلقى أقوال المتأخرين من الفقهاء على أنها دين لا يُبدَّل ولا يُغيَّر. أو يكون الشيخ من الذين يهتمون بالمظاهر ويشتغلون بالتنظيم عن الغاية، فيدخل في اجتماعاته وتنظيماته، ويتعود الخوض في مسائل معينة لا يعدوها، ويرمي إلى السياسة الحاضرة أكثر مما يرمي إلى التربية الحقيقية ... وأمثال ذلك.
لا أقول إن جميع المشايخ والدعاة على هذا، لا بل إن فيهم المشايخ العلماء العاملين، ولكنهم قلة، والكثرة تشتغل بالفرع عن الأصل. الكثرة تعيش في محيط ضيق، لا تتعداه بأبصارها ولا تعرف ما وراءه، فلا تقدّر الخطر الذي يحيق بالإسلام ولا تعلم ماذا يصنع أعداء الإسلام.
لا تدري أن الإسلام عاد غريباً كما بدأ غريباً، صار غريباً في بلاده وبين أهله. إن المساجد تمتلئ بالمصلين، والناس يصومون في رمضان، والحجاج يزداد عددهم سنة بعد سنة، ولكن الصلاة والصيام والحج فقدت عند كثير من الناس روحها وبقي جسدها. إن سموم أعداء الإسلام دخلت إلى مجتمع المصلّين الصائمين، إلى بيوتهم، إلى أفكار رجالهم، إلى أزياء نسائهم، إلى مناهج