يُعتقَد بأنه مفقود) ضمن مجموعة من المخطوطات. وكنت قبل قدومي إلى المملكة من نحو خمس وعشرين سنة أزور مكتبة محدّث الشام، الشيخ بدر الدين الحسني (رحمه الله ورحم كل من ذكرت ومن سأذكر في هذا الفصل مَن مات منهم، ومن بقي فله مني التحيات) فوجدت كتاباً عظيماً هو ركيزة من ركائز علم اللغة، كان المعتقَد أنه فُقد فيما فُقد من كنوز مكتبنا الإسلامية، وهو «مُعجم الأصلين»، أي الكتاب والسنة، للإمام الهَرَوي، أحد أئمة اللغة في القرن الرابع. وقد ذكره ابن الأثير في مقدمة «النهاية» وعدّه خير ما أُلِّف في هذا الموضوع.
وجدت منه نسخة صحيحة مشكولاً أكثرها مكتوبة من ثمانمئة سنة عليها خطوط بعض الأعلام، وقد سألت صديقنا الدكتور صلاح الدين المنجّد، وكان -يومئذ- مدير معهد المخطوطات، فعلمت أنه ليس في الدنيا من هذا الكتاب إلا نسخة ناقصة في جامعة بوسطن في أميركا، ونسخة أخرى ناقصة أيضاً في إسطنبول. وهذا الكتاب إذا طُبع كان أصلاً من الأصول وصُحِّح عليه القاموس ولسان العرب. وقد كتبت إلى كل جامعة أو مجمع آمُل أن يعتني به وأن يطبعه، فما وجدت عند أحد اهتماماً ولا تلقيت منه جواباً!
وبيعت مرة تَرِكة عالم في دمشق بالمزاد، وكانت عنده كتب كثيرة، فجرّد أولاده (وهم جَهَلة) الكتب المطبوعة المجلدة فاحتفظوا بها ثم أشعلوا النار بالباقي. وبينما كانت النار تأكل هذا الكنز الذي لا يُقدَّر بثمن رأوا بينها كتاباً فيه صور ملوّنة أعجبتهم، فسلّوه من وسط اللهب وقد احترق طرفه، وعرضوه