على الوَرّاقين، فإذا هو نسخة من «عجائب المخلوقات» للقَزْويني مكتوبة من أكثر من أربعمئة سنة، ميّزتها أن فيها صوراً ملوَّنة مذهَّبة كأنما صُوِّرت الآن، لها قيمة فنية لا تقدَّر، فباعوه بمئة ليرة (يوم كانت للّيرة منزلتها)، وباعه الذي اشتراه للمتحف البريطاني بألف ومئتَي ليرة، وأحسب هذه النسخة قد استقرت هناك.
* * *
هذه المكتبة التي أصابتها المصائب وحاقت بها النكبات، العامة الشاملة والخاصة المفردة؛ كنكبتها بالمغول لمّا انحدر علينا سَيْلُهم المدمّر من أقصى الشرق، فجرف في طريقه مظاهر العمران وثمار الفكر حتى وصل إلى هذه المكتبة، فألقوا -من جهلهم- كتبها في دجلة يمرّون عليها يتخذونها جسراً! حتى نقلوا أن ماء دجلة حِيال الضفتين قد اسودّ مسافات مما ذاب فيه من المداد والحبر، بل من حصاد الأدمغة ونتاج العقول.
ولما دخل الإسبان الأندلس أحرقوا مكتباتها، حتى صار ليلها نهاراً مما صعد منها من اللهب. وحسبكم أن تعلموا أن واحدة من مكتبات قرطبة كانت فهارسُ دواوين الشعر فيها -كما يقول ابن خلدون- أربعة وأربعين دفتراً كبيراً. فهارس دواوين الشعر فقط! أحرقها الإسبان فأضاءت ليالي الأندلس. وما أحرق -بضيق ذهنه وعصبيّته- ابنُ تاشفين من كتب الفلسفة التي تخرج عن الفقه والتفسير والحديث غَيرةً منه على الدين وزعماً أنها تضعف إيمان المؤمنين، فذهب بآلاف من الكتب.
هذا عدا عمّا أصابها من النكبات الفردية، من التحريق