معطلة، حتى وصلت إلى الجامع، وهو قائم كالشيخ المريض المُدنِف وسط العِشَش والفواخير والجيّارات والجبّانات!
قلت: أهذا هو جامع عمرو؟
قالوا: نعم.
قلت: وهذه هي الفسطاط؟
قالوا: نعم.
الفسطاط، أول بلدة للمسلمين في مصر، يهملها المسلمون حتى تعود مقابر للنصارى؟ الفسطاط، منزل الفاتحين الذين نشروا في مصر حضارة الإسلام، يُمحى منها كل مظهر للحضارة فلا يكون فيها إلا الفواخير والجيّارات، وتذهب منها معالم الحياة فلا تكون إلا داراً للموتى!
هل يدري هؤلاء الذين يروحون ويغدون على هذه البقعة المتروكة، وهل يدري أولئك الذين لم يزوروها ولم يروها، أنه من هنا سطع النور الذي أضاء مصر بضوء الإسلام، ومن هنا انبجس المَعين الذي روّى العِطاش من أبناء مصر وإفريقيا، ومن هنا مشت الراية الإسلامية حتى رفرفت على نصف دنيا الماضي من البحر الأحمر إلى ما وراء البيرنيه، ومن هنا خرج الصوت الذي ألغى نظام الطبقات وساوى بين الناس في مصر وأعطاهم الحرية في دينهم ودنياهم، وأنها هنا وُلدت مصر زعيمة العروبة ومثابة الإسلام؟
فمن الذي كاد لهذه البقعة الطاهرة حتى صارت أوحش