بقعة في مصر وأحطَّها وأبعدها عن الحضارة والنظافة والبهاء؟ ما الذي صرف الناس عنها، فلا يؤمّها مصري ليذكر مشرق شمس الهداية منها على بلاده، ولا يستطيع أن يصل إليها سائح ليرى فيها آثار أمجد ذكرى في تاريخ مصر؟ أيتخرب المسجد ويُهمَل الحصن، ولا تشفع لهما روعة البطولة ولا خشعة الإيمان ولا عظمة العلم؟

أما والله الذي لا إله إلا هو، لو كانت هذه المآثر لغيرنا، لأمة تحس وتشعر وتقدّر أمجادها، لجعلت بِقاعها كلها كَعبات يُحَجّ إليها ومنابر تتلو على الناس سُوَر البطولة فيصغي إليها الناس، ولخلّدَت كل مكان مرّ منه عمرو وكل طريق سلكه وكل قلعة افتتحها، من العَريش إلى الفرما إلى أم دُنَين (قرب حديقة الأزبكية)، إلى ساحة المعركة في عين شمس، إلى ميدان الوقعة الكبرى التي كان فيها النصر عند حصن بابليون (قصر الشمع) عند جامع عمرو. ولَعَبّدت هذا الطريق، طريق الفتح، وظلّلَته بأشجار الغار وكنَّفَته بالورد والفلّ، ولجعلت في كل قرية وكل بلدة مدرسة باسم عمرو، تعرّف الناس بعمرو وبالدين الذي جاء به عمرو.

* * *

إن فتوح المسلمين أعجوبة التاريخ ومعجزة الدهر، ولكن ليس فيها ما هو أعجب من فتح مصر، فقد حيّر من الوجهة الحربية العسكريين وأدهش بنتائجه المؤرخين.

لقد كان جيش عمرو يوم صدم مصر أربعة آلاف. وما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015