خمسة آلاف درهم لينفق منها على عياله في غيبته ثم سَفَّره على نفقة الخليفة إلى دمشق. أما الأمر المهم الذي استدعاه الخليفة من أجله فهو أن الخليفة كان يتوضأ والخادم يصب على يديه من الإبريق، فتذكر أن كلمة «إبريق» قد وردت في بيت شعر ولم يقدر أن يذكر البيت، فدعاه ليسأله عنه. فخبّره أن البيت هو:
ودَعَوْا بالصَّبوح يوماً فجاءت ... قَيْنَةٌ في يمينها إبريقُ
ثم سأله (وهنا الشاهد): كم تحفظ يا حمّاد من الشعر؟ قال: لا أدري يا أمير المؤمنين، ولكني أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مئة قصيدة لمئة شاعر معروف. قال: هات. فأنشده حتى ملّ الخليفة، فوكّل به مَن يسمع منه، فأنشده من حفظه ألفين ومئتي قصيدة. فإذا كان في كل منها عشرون بيتاً على الأقل فهذه أربعة وأربعون ألف بيت ... وأنت تستكثر حفظ مئتي بيت!
* * *
إن الحفظ هو الميزة الأولى للذهن العربي، أو الإسلامي إن شئت؛ لأن العلوم كلها قد نُقِلت حفظاً ورُويت رواية، ولم يبدأ التدوين والتأليف إلا في أواخر القرن الثاني.
وحفظ المحدّثين أعجوبة، ومنهم -كالدّارَقطني- من كان يحفظ مئة ألف حديث بسندها. هل تعرف ما هو السند؟ هو طريق رواية الحديث، أي قولهم: حدّثنا فلان عن فلان ... هذا هو السند. ومنهم من يحفظ من أسماء الرواة العشرة الآلاف وأكثر من ذلك، ومنهم من كان يسمع عشرات الأحاديث فيحفظها من مَرّة.