لما جاء الشافعي إلى مالك وقعد في حلقته كان مالك يُملي والطلاب يكتبون، ولم يكن مع الشافعي قلم ولا ورق، فجعل يبلّ إصبعه بريقه ويكتب على ذراعه. الكتابة لم تكن لتظهر بالطبع، ولكنه يصنع ذلك ليثبّت الأحاديث في ذاكرته. ورآه مالك فحسبه يهزأ به، فقال له: إنما أكتب ما أسمع لأحفظه، وإن شئت أعدته عليك. قال: أعده. فأعاد الدرس كله.

وقصة البخاري في بغداد أعجب. لمّا جاء البخاري بغداد وقعد للدرس، وكان شاباً، أراد بعض المحدّثين أن يختبروا حفظه، فجاؤوا بمئة حديث فخلطوا مُتونها بأسانيدها، أي أنهم جعلوا سند هذا المتن لذاك وسند ذاك لهذا، ثم جاؤوا بعشرة أشخاص فحفّظوا كل واحد عشرة من الأحاديث المخلوطة. فلما قعد البخاري للدرس قام أولهم فسأله: ما تقول في حديث كذا؟ وسرد عليه أحد الأحاديث المخلوطة، فقال: لا أعرفه. فسأله عن الثاني، والثالث، إلى العاشر، وهو يقول: لا أعرفه.

فلما فرغ قعد وقام الرجل الثاني فصنع مثله، والثالث والرابع ... حتى عُرضت عليه الأحاديث المئة، وهو يقول: لا أعرفها. وتعجب الناس، وظن العامة أنه رجل جاهل لأنه يُسأَل عن مئة حديث فلا يعرف منها شيئاً. فلما فرغوا قال البخاري للرجل الأول: قم. فقام، فقال له: الحديث الأول الذي سألتني عنه رويتَه كذا، وجوابه كذا، والحديث الثاني رويته كذا وجوابه كذا ... حتى أعاد الأحاديث المئة بخطئها وصوابها.

وليس العجيب حفظُه الصوابَ، بل العجيب حفظه الغلط.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015