قرأته، وعلق في ذهني من أخباره شيء كثير لا أزال أذكره إلى اليوم رغم قِدَم العهد وضعف الذاكرة.
* * *
المطالعة ضرورية للطالب وضرورية للمدرّس؛ فالمدرس الذي يقتصر على ما تعلّمه في المدرسة، ولا يطالع ليوسع أفقه ويزيد علمه، يتخلّف عن القافلة ويصبح بين الطلاب كأنه طالب حافظ لدرسه! وهي ضرورية للطبيب، ليطّلع على ما كُشِف من أمراض وما استُحدث من طرق العلاج وما جَدّ من أدوية. وضرورية لعالم الدين، ليرى ما حدث في الدنيا فيعرف كيف يبيّن حكم الله فيه. وضرورية لعلماء الدنيا ليعرفوا أحكام دينهم وأسراره ومزاياه. ولو أردنا أن نعرف مقدار رقيّ بلد فلننظر إلى عدد الكتب التي تُباع فيه.
جاءني مرة طالب يشكو مُرَّ الشكوى من كثرة ما كُلِّف بحفظه من الشعر العربي. قلت: وما الذي كُلِّفتَ به؟ قال: كُلِّفتُ بحفظ مئتَي بيت في السنة.
ولما قال «مئتي بيت» ضخّم صوته ورفع حاجبيه وفتح عينيه، وضغط على الحروف كأنه يأتي بإحدى المدهشات.
فقلت له: إن حمّاد الراوية كان يحفظ أكثر.
قال: ومَن حمّاد الراوية؟
قلت: وجهلك به أعجب. حمّاد كان في العراق، فأبلغه والي الكوفة أن الخليفة هشام بن عبد الملك يدعوه لأمر مهم، وأعطاه