دراسته حتى صارت عنده مكتبة صغيرة. ومن لم يجد مالاً فإن المكتبات العامة موجودة والمطالعة فيها مجّانية، فليذهب إليها.
المهم حُسْن اختيار الكتب؛ فالكتب مثل الأطعمة، فيها النافع وفيها الضار، ومنها المغذّي المفيد، وما هو كثير الدسم عظيم النفع ولكن لا تشتهيه النفس، وما هو مُشَهٍّ لذيذ ولكن لا ينفع، ومنها السم القاتل، ومنها ما هو سم ولكنه ملفوف بغشاء من السكّر، فمن انخدع بحلاوة الغشاء قتله السم! ومَن أكل كل ما يجده -يخلط به الحلو والحامض والحار والبارد- أصابته التخمة وسوء الهضم، ومن قرأ كل شيء صار معه سوء هضم عقلي!
ومن الكتب ما يُدخِل الجنةَ ومنها ما يُدخل النارَ، فلينتبه الطالب، وليسأل من يثق به من المدرّسين والعلماء، وإلاّ كان ترك المطالعة خيراً منها.
لما كنا صغاراً لم يكن في أيامنا هذا الرائي (التلفزيون) ولا الرادّ (الراديو)، ولا كانت هذه الأشياء قد اختُرعت، ولم تكن السينما الناطقة قد وُجدت، فما كان عندنا من التسليات إلا المطالعة. ولم يكن شيء من أمثال هذه المجلات المصوَّرة، فكنّا إذا أردنا أن نقرأ الأشياء الخفيفة لإضاعة الوقت لا نجد إلا قصص الفروسية، كقصة عنترة وحمزة البهلوان والملكة ذات الهمة وسيرة بني هلال، وأمثال ذلك.
ثم أخذنا نقرأ كتب الأدب. ولقد قرأت «الأغاني» كله (وهو في بضعة وعشرين مجلداً) في عطلتين صيفيتين متواليتين وأنا في أول الدراسة الإعدادية. لم أفهم كل ما فيه، ولا نصفه، ولكن