بروايته القراء ولا أعوّضهم عن هذا الإزعاج متعة ولا منفعة.
ومن هذا الباب أن العماد الكاتب لما ودّع القاضي الفاضل (وهو من أساتذة هذا المذهب، مذهب الصناعة اللفظية الميتة التي لا روح فيها) قال له: «سِرْ فلا كَبا بك الفرس». وهي جملة إن عكستها لم تنعكس، فأجابه بمثلها على الفور فقال: «دام عُلا العماد».
ومن أجود ما أحفظ في هذا الباب (إن كان فيه شيء جيد!) قول القائل:
مودّتُهُ تَدومُ لكلِّ هَوْل ... وهل كلٌّ مودّتُه تَدومُ؟
خذوا حروف هذا البيت فاقلبوها تجدوها تبقى على حالها.
كانوا يَعُدّون نهاية الأرب وغاية الأدب أن يقدر الأديب على مثل هذا العبث، حتى إن الشيخ محمود الحَمْزاوي، أشهر المُفتين في دمشق في القرن الثالث عشر الهجري، ألّف تفسيراً صغيراً للقرآن مطبوعاً، وهو عندي في مكتبتي، كل حروفه مُهمَلة، أي ليس فيه حرف منقوط، فليس فيه كلمة فيها باء ولا تاء ولا جيم ولا خاء ولا شين ولا ضاد ... فتصوروا الجهد الذي بذله فيه ثم انظروا النفع الذي يأتي منه، تجدوا جهداً كبيراً ونفعاً ضئيلاً.
ورأيت من قديم في المكتبة العربية في الشام كتاباً فيه جداول أربعة أو خمسة (نسيت)، في الجدول الأول كتاب في الفقه مثلاً، وفي الثاني نحو وصرف، وفي الثالث تاريخ، وفي الرابع بحث مكتوب بلسان الترك، ثم إذا قرأت السطر كله معاً متجاوزاً حدود