قرعتَها طنين ورنين وما فيها فائدة للمستفيدين! وصارت ألاعيب لأدباء ذلك الزمان الذي يدعوه مؤرّخو الأدب بعصر الانحطاط؛ كل هم رجاله التلاعب بالألفاظ لا يجاوزونها.
وكان المثل الأعلى لشادي الأدب -لمّا بدأنا النظر في الأدب- مقامات الحريري، يحرص أساتذتنا على أن ندمن قراءتها ونحفظ ما نستطيع حفظه منها، ونرى غاية ما يصل إليه الكاتب أن يصنع مثل ما صنع الحريري -مثلاً- في المقامة السادسة، حين التزم أن تكون فيها كلمة منقوطة بعدها كلمة مُهمَلة بلا نَقْط، وجرى على هذا في المقامة كلها، فيقول: "الكرَمُ -ثبّتَ الله جيشَ سُعودك- يَزين، واللؤم -غَضّ الدّهر جَفْنَ حسودك- يَشين ... "، وما صنعه في المقامة السادسة عشرة، حين جاء بلون آخر من ألوان اللعب بالألفاظ كان مألوفاً في ذلك العصر، هو أن يجيء بجملة إذا قرأت حروفها منكوسة، فبدأت بآخر حرف منها ورجعت إلى ما قبله، لم تتبدل الجملة. وصنع في ذلك شعراً متكلَّفاً سخيفاً (?)، حاولت أن أرويه، ثم وجدت أنني أزعج