على أن يقصر فى ذلك إلى قدر الضرورة، فلا يكتم حيث يسعه الإعلان، وعلى أن يسعى للهجرة ما استطاع إلا إذا كان مقيما بين أظهر المشركين، وفى البلاد التي لا يقدر فيها على الجهر بدينه، لأغراض مشروعة، تخدم الأمة المسلمة والجماعة المسلمة كالاغراض العسكرية، ونحوها فهو ـ حينئذ مأذون بالبقاء بينهم حتى يحقق الغرض الذى انتدب من أجله وحكم هذه الحالة الخاصة يؤخذ ـ بطريق الأولى ـ من اذن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لبعض أصحابه الذين بعثهم فى مهمات خاصة، أن يقولوا فيه شيئا، وأن يظهروا الموافقة للكافرين فى بعض أمرهم.
القسم الثالث من أقسام التقية (إظهار الموافقة للمشركين على دينهم):
وهذا القسم هو أشد الأقسام وأخطرها، وفيه يتعدى الأمر مجرد السكوت والكتمان والاستسرار إلى إظهار الدين الباطل، وموافقة المشركين عليه، وفى تعريف السرخسى للتقية قال:"والتقية أن يقي نفسه من العقوبة بما يظهره، وإن كان يُضْمِرُ خلافه"،فقصر التقية على هذا المعنى.
وقد أجمع العلماء قاطبة على أن الإنسان إذا واجه ضغطا وتخويفا وتهديدا إن أصَرَّ على إيمانه، فلم يلتفت إلى هذا التخويف، وثبت على إعلان دينه، إنه فعل الأفضل، وإن قتل في هذا السبيل فهو شهيد، وقد ترك الرخصة الى العزيمة.
كما أجمعوا على أن ما أكره على الكفر حتى خشى على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن أظهر الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تبين منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر.
ولكن يشترط للاكراه شروط:
الأول: أن يكون المُهَدِدُ قادراَ على إيقاع ما يُهَدِدُ به، والمأمور عاجز عن الدفع عن نفسه، ولو بالفرار والهرب.
الثاني: أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع عن فعل ما يؤمر به ذلك.
الثالث: أن يكون التهديد بأمر فوري، كأن يهدده بالقتل، اما لو قال: افعل كذا، وإلا ضربتك غداً لم يكن مُكْرَها، إلا إذا كان الزمن المحدد قريبا جدا فيكون فى حكم الأمر الفوري.
الرابع: ألا يظهر من المأمور المكره ما يدل على نوع من الرضا والاختيار والموافقة القلبية.
وقد خص بعض السلف الرخصة بالقول فحسب، دون الفعل، ونقل عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه ومكحول، وغيرهما أن القول والفعل سواء، وهو مذهب مالك وطائفة من اهل العراق.