وفى آية النحل ذكر الله تعالى الكفر بعد الايمان، وتوعد فاعليه بالغضب والعذاب العظيم، واستتثنى من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان قال تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بِالإِيمَانِ وَلََكِن مّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النحل: 106]
فهذه الآية نص فى رفع الحرج عن المكره على النطق بكلمة الكفر، مع اطمئنان قلبه بالإيمان.
وسبب نزولها يؤكد هذا المعنى ويجليه، حيث نزلت فى عمار بن ياسر حين ضربه المشركون حتى باراهم فى بعض ما يريدون، ونال من النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذكر آلهتهم بخير.
وقد نقل الحافظ ابن عبد البر، والحافظ ابن حجر إجماع العلماء على ان هذا هو سبب النزول.
فإن عمارا - رضي الله عنه - أكره على النطق بكلمة الكفر، وسب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد عذره الله تعالى فى هذه الآية، وبين أنه غير داخلٍ فى الوعيد.
[*] أقسام التقية:
القسم الأول من أقسام التقية (المدارة):
فقد عد قوم من باب التقية مدارة الكفار والفسقة والظلمة، وإلانة الكلام، والتبسم فى وجوهم، والانبساط معهم، وإعطائهم، لِكَفِ أذاهم، وقطع لسانهم، وصيانة العرض منهم، ولتألف قلوبهم على الإسلام والاتباع.
والمدارة لا تعارض النصح الرفيق البعيد عن الإغلاظ والشدة.
[*] قال ابن بطال رحمه الله تعالى: "المدارة من أخلاق المؤمنين، وهى خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم فى القول، وذلك من أقوى أسباب الألفة، وهى الرفق بالجاهل فى التعليم، وبالفاسق فى النهى عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولاسيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك"
وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله تعالى فى كتاب الأدب من صحيحه بابا بعنوان" باب المدارة مع الناس "،وساق تحته أثرا معلقا عن أبي الدرداء رضى الله عنه قال " إنا لَنَكْشُرُ في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم. ثم ساق الحديث الآتي:
(حديث عائشة في الصحيحين) قالت استأذن رجل على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو بن العشيرة فلما دخل ألان له الكلام قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام قال أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه.