الذي دلت عليه السنة الصحيحة وتجتمع فيه الأدله أنه لا يجوز الخروج عن الحاكم مالم نرى منه كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان، بل يجب علينا السمع والطاعة لهم ما داموا مسلمين مُصَلِيْن، وعدم قتالهم أو الخروج عليهم حتى نرى منهم الكفر البواح الذى عندنا من الله فيه برهان، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ستكون أثرة وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم.
(حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: دعانا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحاً، عندكم من الله فيه برهان.
فلابد من السمع والطاعة فى المنشط والمكره، والعسر واليسر، وفى حال الاستئثار وحجب بعض الحقوق عن أهلها، ولا تجوز منازعة الحاكم أو الوالى إلا فى حالة الكفر البواح الصراح، أما فيما يتعلق بكراهية ما هم عليه، والإنكار عليهم، وقول كلمة الحق أمامهم، ونصحهم، والبراءة من انحرافهم فجاء فيه أحاديث كثيرة منها ما يلي:
(حديث أم سلمة رضي الله عنه الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إنه سيكون عليكم أئمة تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد بريء ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع فقيل يا رسول الله أفلا نقاتلهم قال: لا ما صلوا.
فأشار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى فساد السلطان، بوجود الأثرة التى يحجب فيها الحق عن أصحابه الذين هم أولى به من غيرهم، ووجود المنكرات المتعلقة بالولاة من الظلم، والتوسع فى الأكل والمشارب والمساكن وغيرها، وما شابه ذلك من المعاصي التى لا تصل الى الكفر البواح.
وبين قدراً من الواجب تجاه هذا الانحراف، وهو أداء الحقوق المتعلقة بهم للسلاطين من السمع والطاعة والمناصحة والجهاد ونحوها، سواء تعلقت هذه الحقوق بالنفس أو المال.