(ومن أتى السلطان افتتن) لأنه إن وافقه في مرامه فقد خاطر بدينه وإن خالفه فقد خاطر بروحه ولأنه يرى سعة الدنيا فيحتقر نعمة اللّه عليه وربما استخدمه فلا يسلم من الإثم في الدنيا والعقوبة في العقبى.
(حديث رجلٍ من سليم في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال إياكم و أبواب السلطان فإنه قد أصبح صعبا هبوطا.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير:
(إياكم وأبواب السلطان) أي اجتنبوها ولا تقربوا باباً منها
(فإنه) يعني باب السلطان الذي هو واحد الأبواب
(قد أصبح صعباً) أي شديداً
(هبوطاً) أي منزلاً لدرجة من لازمه مذلاً له في الدنيا والآخرة ثم إن لفظ هبوطاً بالهاء وهو ما وقفت عليه في نسخ هذا الجامع والذي وقفت عليه في نسخ البيهقي والطبراني حبوطاً بحاء مهملة أي يحبط العمل والمنزلة عند اللّه تعالى. قال الديلمي: وروي خبوطاً بخاء معجمة والخبط أصله الضرب والخبوط البعير الذي يضرب بيده على الأرض اهـ وإنما كان كذلك لأن من لازمها لم يسلم من النفاق ولم يصب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينه أغلا منه وهذه فتنة عظيمة للعلماء وذريعة صعبة للشيطان عليهم سيما من له لهجة مقبولة وكلام عذب وتفاصح وتشدق إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه أن في دخولك لهم ووعظهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم الشرع ثم إذا دخل لم يلبث أن يداهن ويطري وينافق فيهلك ويهلك. أهـ
والحاصل أن الفتنة التى تعرض لملازم السلطان هى فتنة الدين أو الدنيا، فإنه إن وافقه فيما يأتي وما يذر فقد خاطر بدينه، وإن خالفه خاطر بروحه، وهى فتنة السراء بتعرضه للدنيا وزينتها، وفتنة الضراء بتعرضه للإهانة والضرب والقتل وسائر المخاطر.
وهذا الضرر الحاصل لمن دخل عليه ولازمه، قد يكون ضرر محضا لا يقابله تحصيل مصلحة شرعية، سواء كان الضرر دينيا او دنيويا، بالخير وبالشر.
وقد تقابله مصلحة شرعية أقل منه، أو مثله، او أعظم منه، وتندرج هذه المسألة تحت قاعدة المصالح والمفاسد.
ولذلك يقول الامام الفتنى فى شرحه للحديث السابق:"وهذا لمن دخل مداهنة، ومن دخل آمرا وناهيا وناصحاً كان دخوله افضل".
أي: لأنه يدخل فى هذه الحال فى باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن تعرض للقتل كان مخاطرا بنفسه فى ذات الله، وقد بين الرسول، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أن افضل الجهاد كلمة عدل أو حق عند سلطان جائر.
مسألة: هل يجوز الخروج على الحاكم إذا وُجِد منه فساداً أو انحرافاً عن العدل؟