وما من شك ان دافع الصحابة كلهم - رضي الله عنهم - هو الاجتهاد، ولكن هذا لا يمنع أن يكون بعضهم أولى بالحق، وأقرب إليه من بعض، وأن يكون منهم فاضل ومفضول، وقد يكون اعتزال المعتزلين لعدم تبين الأمر لهم، وقتال المقاتلين لقناعتهم بأن الحق فى القتال، ومما يدل على ذلك قول سعد السابق، والذى شبه المتوقفين عن القتال فيه بمن هاجت عليهم عجابة فضيعوا الطريق، فوقفوا حيث هم حتى يستبين لهم الأمر.

[*] يقول الحافظ ابن حجر فى شرح حديث أبي بكرة الآتي: (حديث أبي بكرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المنبر، والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، ويقول: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين.

يقول الحافظ ابن حجر: واستدل به على امتثال قوله تعالى (وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىَ الاُخْرَىَ فَقَاتِلُواْ الّتِي تَبْغِي حَتّىَ تَفِيَءَ إِلَىَ أَمْرِ اللّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوَاْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات: 9]،ففيها الامر بقتال الفئة الباغية، وقد ثبت أن من قاتل علياً كانوا بغاة.

وهؤلاء ـ مع هذا التصويب ـ متفقون أنه لا يُذَمُ واحد من هولاء، بل يقولون اجتهدوا فاخطاوا .. "

كيف تكون العزلة فى الفتنة؟

اتتضح من الأحاديث التى سبقت وضوحاً جلياً أن العزلة فى الفتنة تكون على احد وجهين:

الأول: العزلة التامة، فى مكان بعيد عن الناس، بحيث يشتغل المعتزل بغنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، أو إبل يرعاها، أو أرض يزرعها ويصلحها، أو غير ذلك مما يحقق له العزلة الكلبة التامة عن الناس.

الثاني: العزلة الجزئية، بحيث يعتزل الفتنة وأهلها، ولا يدخل فيها أو يشترك فى قتالها، وإن كان مقيما بين ظهراني الناس.

وقد تنوعت مواقف المعتزالين للفتنة من الصحابة وغيرهم، فمنهم من اعتزل اعتزالا كليا كسعد بن ابى وقاص، ومحمد بن مسلمة.

ومنهم من تجنب الخوض فى الفتنة، ولم يعتزل الناس كأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر، وأبي مسعود الأنصارى، وأبى موسى الأشعري والذى يحدد هذا النوع من العزلة او ذاك أمران هما:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015